إعادة التدوير .. حيث تلتقي البيئة مع الإقتصاد
منذ أن أدرك الإنسان مدى إساءته لاستخدام عناصر الكون المختلفة حوله، كانت الدعوة إلى يوم الأرض في عام 1970. ومنذ ذلك الحين تعالت صيحات المدافعين عن البيئة، وظهرت أحزاب الخضر في الكثير من البلاد، وتشكل عند الكثيرين وعي بيئي ورغبة حقيقية في وقف نزيف الموارد، وظهر جيل يعرف مفردات جديدة مثل: النظام البيئي ( Ecological System) والاحتباس الحراري، وتأثير الصوبة (Effect Green House) وثقب الأوزون، وإعادة تدوير المخلفات Recycling، وتعلق الكثيرون بهذا التعبير الأخير رغبة في التكفير عن الذنب في حق كوكبنا المسكين.
هل تعرف القاعدة الذهبية 4R؟
ويعتبر إعادة تدوير المخلفات أحد الأركان الأربعة التي تقوم عليها عملية إدارة المخلفات أو ما يعرف بالقاعدة الذهبية 4R والتي يجب زيادة الوعي بها، وهي:
1 - التقليل Reduction: والمقصود هنا هو تقليل المواد الخام المستخدمة، وبالتالي تقليل المخلفات، ويتم ذلك:
- إما باستخدام مواد خام أقل.
- أو باستخدام مواد خام تنتج مخلفات أقل.
- أو عن طريق الحدّ من المواد المستخدمة في عمليات التعبئة والتغليف، مثل: البلاستيك والورق والمعادن، وهذا يستدعي وعيًا بيئيًّا من كل من المستثمر والمنتج؛ فمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية التزم الكثير من منتجي الصابون السائل بتركيزه؛ حتى يتم تعبئته في عبوّات أصغر، أو إنتاج معجون أسنان بدون عبوته الكرتونية الخارجية، وهذا ما يطلق عليه (Wast minimization).
2 - إعادة استخدام المخلفات (Reuse): وهذا يعني -مثلاً - إعادة استخدام الزجاجات البلاستيكية للمياه المعدنية مثلاً بعد تعقيمها، وإعادة ملء الزجاجات والبرطمانات بعد استخدامها، هذا الأسلوب يؤدي إلى تقليل حجم المخلفات، ولكنه يستدعي وعيًا بيئيًّا لدى عامة الناس في كيفية التخلص من مخلفاتهم، والقيام بعملية فرز بسيطة لكل من المخلفات البلاستيكية والورقية والزجاجية والمعدنية قبل التخلص منها، فنجد في كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية صناديق قمامة ملونة في كل منطقة وشارع؛ بحيث يتم إلقاء المخلفات الورقية في الصناديق الخضراء، والمخلفات البلاستيكية والزجاجية والمعدنية في الصناديق الزرقاء، ومخلفات الأطعمة أو ما يطلق عليه المخلفات الحيوية في الصناديق السوداء.
3 - إعادة التدوير Recycling: والمقصود بإعادة التدوير هو إعادة استخدام المخلفات؛ لإنتاج منتجات أخرى أقل جودة من المنتج الأصلي.
4 - الاسترجاع الحراري Recovery: وتستخدم تكنولوجيا الاسترجاع الحراري في الكثير من الدول، خاصة اليابان؛ للتخلص الآمن من المخلفات الصلبة، والمخلفات الخطرة صلبة وسائلة، ومخلفات المستشفيات، والحمأة الناتجة من الصرف الصحي والصناعي، وذلك عن طريق حرق هذه المخلفات تحت ظروف تشغيل معينة مثل درجة الحرارة ومدة الاحتراق، وذلك للتحكم في الانبعاثات ومدى مطابقتها لقوانين البيئة. وتتميز هذه الطريقة بالتخلص من 90% من المواد الصلبة، وتحويلها إلى طاقة حرارية يمكن استغلالها في العمليات الصناعية أو توليد البخار أو الطاقة الكهربية.
إعادة التدوير.. التقاء البيئة مع الاقتصاد
1- إعادة تدوير الورق: تعتبر عملية اقتصادية من الدرجة الأولى؛ وذلك لأنه طبقًا لإحصائية وكالة حماية البيئة بالولايات المتحدة الأمريكية فإن إنتاج طن واحد من الورق 100% من مخلفات ورقية سوف يوفر (4100 كيلو وات/ ساعة) طاقة، وكذلك سيوفر 28 مترًا مكعبًا من المياه، بالإضافة إلى نقص في التلوث الهوائي الناتج بمقدار 24 كجم من الملوثات الهوائية. وبالرغم من ذلك، فإنه يتم في الولايات المتحدة الأمريكية إعادة تدوير 20.9 طنًّا ورقيًّا سنويًّا فقط مقابل 52.4 طنًّا من الورق يتم التخلص منها دون إعادة تدوير. أما الورق المعاد تدويره فإنه يستخدم في طباعة الجرائد اليومية.
2 - إعادة تدوير البلاستيك: ينقسم البلاستيك إلى أنواع عديدة يمكن اختصارها في نوعينرئيسين هما البلاستيك الناشف Hard Plasticوأكياس البلاستيك Thin Film Plastic، ويتم قبل إعادة التدوير غسل البلاستيك بمادة الصودا الكاوية المضاف إليها الماء الساخن. وبعد ذلك يتم تكسير البلاستيك الناشف وإعادة استخدامه في صنع مشابك الغسيل، والشماعات، وخراطيم الكهرباء البلاستيكية، ولا ينصح باستخدام مخلفات البلاستيك في إنتاج منتجات تتفاعل مع المواد الغذائية. أما بلاستيك الأكياس فيتم إعادة بلورته في ماكينات البلورة.
3 - إعادة تدوير المخلفات المعدنية: وهي تتمثل أساسًا في الألومنيوم والصلب؛ حيث يمكن إعادة صهرها في مسابك الحديد ومسابك الألومنيوم، ويعتبر الصلب من المخلفات التي يمكن إعادة تدويرها بنسبة 100%، ولعدد لا نهائي من المرات، وتحتاج عملية إعادة تدوير الصلب لطاقة أقل من الطاقة اللازمة لاستخراجه من السبائك، أما تكاليف إعادة تدوير الألومنيوم فإنها تمثل 20% فقط من تكاليف تصنيعه، وتحتاج عملية إعادة تدوير الألومنيوم إلى 5% فقط من الطاقة اللازمة.
4 - إعادة تدوير الزجاج: صناعة الزجاج من الرمال تعتبر من الصناعات المستهلكة للطاقة بشكل كبير؛ حيث تحتاج عملية التصنيع إلى درجات حرارة تصل إلى 1600ْ درجة مئوية، أما إعادة تدوير الزجاج فتحتاج إلى طاقة أقل بكثير.
5 - إعادة تدوير المخلفات الحيوية: وتتمثل المخلفات الحيوية في بقايا الأطعمة ونواتج تقليم الأشجار والحقول، ويُعاد تدوير هذه المخلفات في وحدات تصنيع السماد العضوي لإنتاج مواد ذات قيمة سمادية عالية، ويتم ذلك بعدة طرق:
أ - المعالجة بالتخمر الهوائي (طريقة الكمر Aerobic Fermentation):
وتعتمد هذه الطريقة على عوامل كثيرة، منها: الرطوبة، ونسبة الكربون إلى النيتروجين، وطريقة تكسير المخلفات، ومنها أساليب كثيرة مثل: الكمر بتيّارات الهواء الطبيعي Passive Composting، وطريقة الكمر بالهواء القصري Forced Aeration ، وطريقة الكمر الطبيعي Natural Composting .
ب - عملية التخمر اللاهوائي (البيوجاز) Anaerobic Fermentation :
وتتميز هذه الطريقة بإنتاج غاز البيوجاز (الغاز الحيوي) في أثناء عملية التحلل اللاهوائي، بالإضافة إلى الماء الناتج. ولقد تطورت وحدات البيوجاز في العشرين سنة الماضية بدرجة كبيرة؛ فوصل عدد وحداتها في الصين إلى 7 ملايين وحدة، وفي الهند 120 ألف وحدة، وفي كوريا الجنوبية 50 ألف وحدة، وتعتبر تكنولوجيا البيوجاز من التكنولوجيات الاقتصادية؛ حيث يولد المتر المكعب الواحد من غاز البيوجاز 1.25 كيلو وات/ ساعة، وهي طاقة كافية لتشغيل موتور قوته حصان واحد لمدة ساعتين، هذا فضلاً عن الآثار البيئية الإيجابية؛ حيث يتم إبادة قدر كبير من الطفيليات والميكروبات المرضية في أثناء عملية التخمر اللاهوائي.
ج - عملية التخمر بالديدان Vermi composting : في هذه الطريقة تقوم الديدان بدور هام في تحويل المخلفات العضوية إلى سماد عضوي بجودة عالية تحت ظروف ملائمة من الرطوبة والحرارة والتهوية، ووجد أن سماد الديدان ذو كفاءة عالية وخالٍ من بذور الحشائش، ومفكك وخفيف الوزن، ويمكن استخدامه كتربة صناعية في المشاتل، كما أن العملية ذاتها غير ملوثة للبيئة واقتصادية وغير مستهلكة للطاقة.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في سلوكياتنا البيئية، والتعامل مع البيئة من منظور "كوكب آمن للأحفاد".
إعادة التدوير ليست حلاً سحريًّا !
التدوير (recycling ) هي عملية إعادة تصنيع واستخدام المخلفات، سواء المنزلية أم الصناعية أم الزراعية، وذلك لتقليل تأثير هذه المخلفات وتراكمها على البيئة، وتتم هذه العملية عن طريق تصنيف وفصل المخلفات على أساس المواد الخام الموجودة بها ثم إعادة تصنيع كل مادة على حدة.
بدأت فكرة إعادة التدوير أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث كانت الدول تعانى من النقص الشديد في بعض المواد الأساسية مثل المطاط، مما دفعها إلى تجميع تلك المواد من المخلفات لإعادة استخدامها .
وبعد سنوات أصبحت عملية إعادة التدوير من أهم أساليب إدارة التخلص من المخلفات؛ ذلك للفوائد البيئية العديدة لهذه العملية.
لسنوات عديدة كان إعادة التدوير المباشر عن طريق منتجي مواد المخلفات (الخردة) هو الشكل الأساسي لإعادة التدوير، ولكن مع بداية التسعينيات بدأ التركيز على إعادة التدوير غير المباشر أي تصنيع مواد المخلفات لإنتاج منتجات أخرى تعتمد على نفس المادة الخام مثل: إعادة تدوير الزجاج والورق والبلاستيك والألومنيوم وغيرها من المواد التي يتم الآن إعادة تدويرها .
وقد وجد رجال الصناعة أنه إذا تم أخذ برامج إعادة التدوير بمأخذ الجد من الممكن أن تساعد في تخفيض تكلفة المواد الخام وتكلفة التشغيل، كما تحسن صورتهم كمتهمين دائمين بتلويث البيئة .
ورغم إيمان البعض أن إعادة تدوير المخلفات هو قمة المدنية فإنه بعد مرور عشر سنوات على تطبيق الفكرة بدأ الكثير من الناس في الدول المطبقة لإعادة التدوير بشكل واسع في التساؤل عن مدى فاعلية تلك العملية، وهل هي أفضل الوسائل للتخلص من المخلفات؟ فقد اكتشفوا مع الوقت أن تكلفة إعادة التشغيل عالية بالمقارنة بمميزاتها والعائد منها .
فالمنتج المعاد تدويره عادة أقل في الجودة من المنتج الأساسي المستخدم لأول مرة، كما أنه لا يستخدم في نفس أغراض المنتج الأساسي، ورغم هذا فإن تكلفة تصنيعه أعلى من تكلفة تصنيع المنتج الأساسي من مواده الأولية مما يجعل عملية إعادة التدوير غير منطقية اقتصاديا بل إهدارًا للطاقة؛ لذلك أصبح هناك سؤال حائر ! إذا كان إعادة التدوير أسلوبًا غير فعال للتخلص من المخلفات فما هو الأسلوب الأفضل للتخلص منها؟ وبالطبع فإن الجواب الوحيد في يد العلماء حيث يجب البحث عن أسلوب آخر للتخلص من المخلفات وفى نفس الوقت عدم إهدار المواد الخام غير المتجددة الموجودة بها، وقد بدأ بالفعل ظهور بعض الأفكار مثل استخدام الزجاج المجروش الموجود في المخلفات كبديل للرمل في عمليات رصف الشوارع أو محاولة استخدام المخلفات في توليد طاقة نظيفة، وننتظر في المستقبل ظهور العديد من الأفكار الأخرى للتخلص من أكوام المخلفات بطريقة تحافظ على البيئة ولا تهدر الطاقة
المصدر : http://edu.shams.edu.eg
عاليه حمدى (دبلومه مهنيه )
ساحة النقاش