أحد المجاهدين الليبيين الذين اشتهروا أثناء العدوان الايطالي على ليبيا عام 1911، هو عمر المختار محمد فرحات الملقب شيخ الشهداء أو "أسد الصحراء" من قبيلة بريدان، والتي ترجع إلى أولى القبائل الهلالية التي دخلت برقة .
نشأته
ولد عمر المختار سنة 1858 م في قرية جنزور الشرقية بمنطقة بئر الأشهب شرق طبرق بليبيا.
نشأ يتيمًا بعد وفاة والده أثناء سفره إلى مكة المكرمة، تتلمذ على يد علماء ومشايخ في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسي، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
وهبه الله عذوبة اللسان، وأجاد فن الخطابة واختاره السيد المهدي السنوسي رفيقًا له، وشارك عمر المختار فترة بقائه بتشاد في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية.
مرحلة التحول من معلم إلى مجاهد
بدأ المختار حرب التحرير منذ بدايتها، فعندما أعلنت ايطاليا حربها على تركيا فى سبتمبر 1911، لم تسلم المدن الساحلية فى ليبيا من قذائف الاحتلال، فأسرع المختار في تأسيس وتنظيم حركة للجهاد والمقاومة.
تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي، وغادر البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار بعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا في أكتوبر 1922.
وتأكد للمختار نوايا الإيطاليين فى العدوان على ليبيا وبدأ في تجهيز المجاهدين لهذا اليوم، وتولى هو القيادة العامة.
وبدأ الغزو الإيطالي على مدينة أجدابيا مقر القيادة الليبية، وألغيت كل المعاهدات والمواثيق وزاد زحف الإيطاليين إلى العديد من المناطق خاصة مع انسحاب المجاهدين.
وتزايدت الضغوط على المختار ولجأ الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن اللازمة والسلاح، وبالفعل بدأوا فى تضييق الخناق على الإيطاليين لكنهم لم يستسلموا وسعوا إلى احتلال الجغبوب لمنع الإمدادات التي تصل إلى المجاهدين.
وفشل الإيطاليون في الاستيلاء على منطقة فزان، ولم يستسلم المجاهدون رغم حصارهم وكانت معركة يوم 22 أبريل التي استمرت يومين كاملين خير مثال على شجاعة وصبر المجاهدين.
المرحلة الحاسمة
أصر المجاهدون على الثبات أمام كل الضغوط، وبدأت الانتصارات تتوالى مما دفع الزعيم الإيطالي موسوليني بتغيير القيادة العسكرية، حيث عين بادوليو حاكماً عسكريا على ليبيا في يناير 1929م
وخدع الحاكم الجديد لليبيا المختار عندما تظاهر له برغبته فى السلام، إذ أن ذلك كان مجرد فخ لتوفير وقت للحاكم الجديد لتغيير أسلوب الحرب والقتال.
وبدأت المفاوضات بالفعل فى أبريل 1929، واستجاب الشيخ لنداء السلام وحاول التفاهم معهم، ولكن كل ذلك لم يكن سوى محاولة للمماطلة وشراء الوقت لتغيير خططهم.
ولكن المجاهد الشجاع رأى بفطنته أن كل ذلك مجرد مماطلة من الإيطاليين، وبدأ يلفت أبناء وطنه لكل تلك الألاعيب.
وصحت توقعات عمر المختار، ففي 16 يناير 1930م ألقت الطائرات بقذائفها على المجاهدين، ولكن المختار وزملاؤه رفضوا كل ذلك ولجأ الإيطاليون إلى تعيين جراتسياني وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية، ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل.
عمر المختار في الأسر
في 11 سبتمبر من عام 1931، ذهب الشيخ عمر المختار ليستطلع إحدى المناطق وسط حشد من جنوده، وعلم جراتسياني بذلك ودارت مواجهة بينه وبين القوات البريطانية وسقط عمر المختار في أيدي الإيطاليين.
ووصل المختار إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر، وأعلن عن انعقاد "محكمة خاصة" يوم 15 سبتمبر 1931 وحكم عليه بالإعدام فقال للإيطاليين : "إنْ الحُكْم إلا لله .. لا حكمكم المزيف .. إنا لله وإنا إليه راجعون". وأُحضر الشيخ عمر المختار مكبل اليدين لتنفيذ الحكم، وسار بشموخ وعلى وجهه علامات العزة والثقة والرضا بالقضاء والقدر.
ساحة النقاش