قبل الثورة الجنسية التي بدأت عن طريق الحبوب، كان للرجال دور في شئون تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية اكثر تكاملا مما هو عليه اليوم. وكان إذا رغب أي زوجين في استعمال وسيلة للتنظيم، فان الاختيارات أمامهما كانت محددة بالوسائل التي تتطلب مشاركة الرجل، كالعزل أو نظام الدورة الآمنة أو الواقي الذكري.

    وقد أدت الوسائل الهرمونية للمرأة والتي بدأت مع أول أقراص منع الحمل سنة 1960 وما تبعه من تطور وسائل داخل الرحم و التعقيم الجراحي الحديث، إلى تطور خدمات تنظيم الأسرة المحلية المركزة على المرأة والمستبعدة للرجال في اغلب الأحيان.

    والتحدي اليوم - كما عبر عنه المؤتمر الدولي للسكان و التنمية ICPD والذي عقد في القاهرة سنة 1994 - هو تعزيز مسئولية الرجل في مجال تنظيم الأسرة بتوسيع الخدمات بالطرق التي تحمي الصحة الإنجابية لكل من الرجال والنساء، وعن طريق تشجيع درجة اكبر من الحساسية لقضايا النوع.

    ويتخوف البعض من أن إضافة خدمات اكثر للرجال سوف ينتج عنه إتاحة موارد اقل للمرأة، التي تتحمل حاليا معظم المسئولية فيما يتعلق بتنظيم الأسرة و الصحة الإنجابية. وتقول ماريا ايزابيل بلاتا - مديرة هيئة بروفاميليا PROFAMILIA في كولومبيا، والتي لها خدمات ريادية للرجال منذ عام 5891 عندما فتحت أول ى عياداتها للرجال: "إن فكرة تقديم خدمات للرجال تهدف إلى الإضافة وليس النقصان".

    واليوم، تقدم عيادات بروفاميليا مجموعة من خدمات الصحة الإنجابية للرجال بالإضافة إلى تقديم اختيارات من وسائل تنظيم الأسرة للرجال مثل عمليات قطع قناة المني Vasectomies. وتضيف ماريا: "إننا لم نهتم أبدا بتقليل حجم خدماتنا، بل ما نحتاجه هو أن نقدم خدمات اكثر. ونحن نؤدي ذلك بالنظر إلى ما لدينا، وما يمكننا استخدامه بشكل افضل، وما هي اوجه النقص، وكيف يمكن لنا أن نستخدم ما لدينا الآن بشكل اكثر فعالية من حيث التكلفة وبصورة اكثر مواجهة لاحتياجات العميل. فأول شيء ينبغي عمله هو سؤال العميل عما يريده."

    وبينما وجدت بروفاميليا PROFAMILIA، وعدد قليل من البرامج الأخرى الناجحة، طرقا لتشجيع مشاركة الرجال، فانه، وكما قال ايرول اليكسيز - من مركز مارجريت سانجر الدولي في نيويورك، والذي عمل مع الرجال و الشباب في الكاريبي، وإفريقيا، والولايات المتحدة لمدة عشرين عاما - "مازالت هناك فجوة واسعة بين الدعوة إلى تشجيع مشاركة الرجل وواقع برامج الصحة الإنجابية الموجهة للمرأة".

    وإحدى العقبات الرئيسية هي عدم إقبال الرجال على استخدام الخدمات. فالرجال يعرفون القليل عن شئون صحتهم أو صحة المرأة الجنسية، هذا بالإضافة إلى قلة الحوار المتعلق بالأمور الجنسية في علاقاتهم، وإيمانهم بالكثير من الخرافات الجنسية. ويضيف الكسيز، "إن كثيرًا من الرجال يرتابون في برامج تنظيم الأسرة، لأنهم ينظرون إلى تلك البرامج كمؤامرة للحد من رجولتهم."

    ويجب أن يتغلب مقدمو الخدمة أيضا على الافتراضات الخاطئة و التعميمات الخاصة بالرجال. فمن السهل القول أن الرجال يريدون دائما عددا اكبر من الأطفال، وانهم لا يهتمون باستخدام وسائل تنظيم الأسرة، ولا يعيرون أي اهتمام لنشر الأمراض التي تنقل بالاتصال الجنسي، ولا يشاركون في مسئولية تربية الأبناء إطلاقا، ويمارسون العنف ضد النساء. وقد تم بالفعل تصميم بعض البرامج على أساس تلك الافتراضات، وبالتالي فهي تستبعد الرجال بصفة روتينية، وبذلك تحرمهم من الحصول على المساعدة الملائمة لفهم احتياجاتهم وتغيير السلوك الضار. وبالرغم من تلك الافتراضات، تشير المسوح إلى انه عندما يعلم ويتعرف الرجال على وسائل تنظيم الأسرة، فانهم يرغبون في استخدامها، وكلما زادت أعباء الأسرة كبيرة الحجم، كلما رغبوا في عدد اقل من الاطفال1. ومن الممكن القول انه في كل دولة أو ثقافة تقريبا رجالا يشاركون في مسئوليات الأبوة ويقفون ضد استخدام العنف تجاه المرأة.

    وبمضمون اعم، يجب التوصل إلى "مساواة النوع". وكما جاء في خطة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، فان هذا المصطلح يشير إلى المساواة في الأدوار و المسئوليات التي يحملها المجتمع للرجال والنساء، وهي الأدوار التي تؤثر في جميع اوجه الحياة. فيجب على مقدمي الخدمة والمسئولين عن الصحة التأكيد على الاتكال المتبادل والفوائد المشتركة من خدمة الجنسين، وليس التركيز الكامل على أحد الجنسين دون الآخر حيث أن ذلك يؤثر على الاثنين في النهاية.

اتجاهات البرنامج

    من اجل تحقيق خدمة افضل للرجال، تحتاج البرامج إلى تقارب بين الآراء المتضاربة ووجهات النظر حول الرجال والصحة الإنجابية. وكجزء من هذا المجهود، أسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) مؤخرا مجموعة عمل نوعية بمشاركة الهيئات المتعاونة معها وغيرها من العاملة في المجال الدولي للصحة الإنجابية. وللمجموعة أربع لجان تبحث في القضايا المتعلقة بالنوع والصحة الإنجابية، يشارك في رئاسة لجنة الرجال والصحة الإنجابية - إحدى هذه اللجان الأربع - كاتبا هذه المقالة.

    وفي الاجتماعات الأولية لهذه اللجنة، ناقش ممثلون من اكثر من 20 هيئة المداخل المتكاملة التي يمكن من خلالها خدمة وتلبية احتياجات الرجال و النساء، والمساهمة في تحقيق مساواة النوع. ومن تلك المناقشات غير الرسمية، يمكن استخلاص ستة أهداف عامة يجب أخذها في الاعتبار عند تصميم برامج الصحة الإنجابية الموجهة للرجال في إطار مضمون مساواة النوع:

    تشجيع الرجال لتدعيم اختيارات النساء لوسائل تنظيم الأسرة. إن من اكثر الأسباب التي تذكرها السيدات لعدم استخدام أو الاستمرار في استعمال وسائل تنظيم الأسرة هو معارضة أزواجهن. إلا أن الرجال الملمين بقضايا الصحة الإنجابية، يكونون عادة اكثر مساندة لقرارات زوجاتهم، ومشجعين للسياسات العامة التي تؤدي إلى أن تحصل النساء على خدمات الصحة الإنجابية والرعاية التي يحتجنها. وقد تعرض مشروع في ريف مالي إلى هذا الهدف عن طريق استخدام الرجال ليشجعوا تنظيم الأسرة في المجتمعات المحلية. وقد ذكرت العديد من السيدات أن الرجال العاملين في خدمة المجتمع قد غيروا من أسلوب أزواجهن تجاه تنظيم الأسرة، ونجحوا في خلق نوع من الاتصالات اكثر تفتحا بين الأزواج فيما يتعلق بتنظيم الأسرة2.

    زيادة الاتصال والحوار بين الأزواج. عندما تتخذ قرارات الصحة الإنجابية بمشاركة الزوجين، فانه تزداد عادة احتمالات تنفيذ تلك القرارات. ويصبح الرجال اكثر مساندة لزوجاتهم بمساعدتهن على تلقي خدمات الصحة الإنجابية عند الاحتياج لها، وتوفير الموارد المادية اللازمة للحصول على تلك الخدمات. وقد سعت إحدى حملات تنظيم الأسرة في بوليفيا عام 1994 إلى زيادة الاتصال والحوار باستخدام شعار "هيا نتحدث سويا". هذا وقد زاد بالفعل عدد المستخدمين الجدد لوسائل تنظيم الأسرة، وكذلك عدد الرجال الذين أعربوا عن نيتهم واستعدادهم لتلقي خدمات الصحة الإنجابية3.

    ويلاحظ أحيانا أن هناك بعض السيدات اللواتي يحملن فقط لاعتقادهن أن أزواجهن يريدون المزيد من الأطفال. إلا أن هذا لا يكون الحال دائما. أظهرت بعض المسوح في العديد من الدول النامية أن عدد الرجال الراغبين في طفل آخر لا يزيد عن عدد النساء الراغبات في ذلك سوى بنسبة ضئيلة. هذا وتؤدي زيادة الاتصال والحوار بين الأزواج إلى تحسين مستوى فهم الاختيارات والتفضيلات الإنجابية الخاصة بكل منهما، وتقلل من بعض العواقب الناتجة عن قلة الاتصال مثل الحمل غير المقصود والأسرة كبيرة الحجم.

    زيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة الخاصة بالرجال. زيادة استخدام الوسائل الخاصة بالرجال سوف تخفف بعضا من عبء تنظيم الأسرة الملقى على عاتق النساء في الوقت الحاضر. بعض البرامج تستخدم حملات الدعاية المبتكرة للتعريف بعمليات قطع قناة المني، والتي من الممكن أن توسع مجال استخدام هذه الطريقة الآمنة والفعالة. وتشرح د. كارين رينجيم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID في تحليل لقضايا النوع التي تؤثر على اختيار وسائل تنظيم الأسرة قائلة: "إن صانعي السياسات ومقدمي الخدمات قد رفعوا عن كاهل الرجال مسئولية استخدام وسائل تنظيم الأسرة المتاحة الخاصة بالرجال، وذلك - على سبيل المثال - عن طريق تركيز الانتباه على تعقيم النساء، حتى وان كان ذلك على حساب برامج عمليات قطع المني الناجحة"4. وبزيادة استخدام الواقي الذكري في عصر الإيدز، اكثر مقدمي خدمات تنظيم الأسرة من عرض الواقي الذكري كاختيار لتنظيم الأسرة لهؤلاء الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض التي تنقل عن طريق الاتصال الجنسي. ولسوء الحظ فان الوسائل المتاحة حاليا للرجال قليلة، بينما تستمر الأبحاث التي تجرى على وسائل جديدة للرجال على إيقاعها البطيء.

    تحسين سلوك الرجال من اجل الوقاية من الأمراض التي تنقل بالاتصال الجنسي STDs. قد يكون تأثير اتجاهات وسلوك الرجال فيما يتعلق بصحة النساء هو الأكثر وضوحا في الوقاية من وعلاج الأمراض التي تنقل بالاتصال الجنسي. ولكي تصبح برامج الوقاية مؤثرة، يجب تعليم وعلاج الزوجين. وتعد زيادة استخدام الواقي الذكري، و تغيير السلوك الجنسي الخطر من الاستراتيجيات الأولية لمنع الأمراض التي تنقل بالاتصال الجنسي. هذا وقد زاد استخدام الواقي الذكري بصورة ملحوظة في المناطق التي كانت هدفا لحملات التسويق الاجتماعي. فزيادة استخدام الواقي الذكري يعتبر خطوة في اتجاه تغيير سلوك الرجال بطريقة تؤثر مباشرة على صحتهم، وكذلك على صحة شركائهم وزوجاتهم. وان كانت الدراسات تظهر أن نسبة استخدام الواقي الذكري أعلى كثيرا خارج نطاق الزواج عنها بين الأزواج، وان النساء اللواتي لا يملكن القدرة على مناقشة استخدام الواقي الذكري يكن عرضة لانتقال العدوى من أزواجهن.

    مواجهة احتياجات الصحة الإنجابية للرجال. يجب أن تكون سهولة الحصول على خدمات الصحة الإنجابية قضية من قضايا حقوق الإنسان للنساء و الرجال على حد سواء. فللرجال مشاكلهم الأخرى الخاصة بالصحة الإنجابية خارج نطاق خدمات تنظيم الأسرة و الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي مثل العقم و خلل الوظيفة الجنسية وسرطان البروستاتا وسرطان الخصية. وعدم وجود الخدمات التي تواجه هذه الاحتياجات يزيد من الضغوط، والتوتر وفقدان احترام الذات بين الرجال. ويقول جيفري سبيلز من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وأخصائي الصحة الإنجابية للرجال: "ان الرجال - مثل النساء - يواجهون قضايا مختلفة في المراحل المختلفة من دوراتهم الحياتية". ويضيف ان "الوقت الحرج هو خلال المراحل الأولى للشباب حيث يمر الأولاد بمراحل عديدة من تعريف و تشكيل النوع. ومن الممكن مساعدة الأولاد والشباب على مواجهة الكثير من القضايا التي تظهر في مراحل لاحقة في دورة الحياة عن طريق تقديم مشورة افضل من خلال برامج الصحة الجنسية".

    تشجيع الرجال ليكونوا اكثر إلماما بالقضايا المتعلقة بالأسرة. يحتاج الرجال إلى المشاركة اكثر في تربية الأطفال، وتشجيع تعليم الأولاد والبنات، وتقليل العنف ضد النساء والأطفال، كذلك توفير الموارد اللازمة لتغطية احتياجات الأسرة. وهي في مجموعها قضايا ثقافية معقدة متأصلة، وفي كثير من الأحيان ترتبط مصادر القلق داخل الأسرة ارتباطا وثيقا بتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية. في أحد البرامج في ريف أوغندا، على سبيل المثال، وجد أن عدد الرجال المترددين على عيادة تنظيم الأسرة يزيد في موسم سداد مصاريف المدرسة. وتقول إحدى الممرضات أن هذا يحدث عندما "يتفهم الرجال أخيرا الحمل الملقى على عاتقهم بإنجاب العديد من الأطفال، ذلك الحمل الذي أدركته النساء حتى قبل أن يولد الطفل"5.

التغلب على التحيز

    تحتاج استراتيجية تكامل خدمات الرجال والنساء إلى العديد من العوامل لكي تنجح، بما في ذلك معرفة مقدم الخدمة بالقيم الشخصية لديه أو لديها فيما يختص بمساواة النوع، وكيف يمكن أن تؤدي هذه القيم إلى التحيز للرجال أو النساء.

    وتسعى إحدى التدريبات، التي طورها مركز مارجريت سانجر الدولي و الاتحاد الدولي للأبوة المخططة، إلى مساعدة الأفراد على تفهم قيمهم الشخصية من خلال طرح عدد من العبارات التي يجيب عليها كل شخص. ومن الممكن أن تشارك المجموعات في هذه التعليقات حتى تتضح القيم النوعية للمجموعة. وعلى سبيل المثال تقول إحدى هذه العبارات: "يتوقع من الرجل أن يكون متواجدا عند ولادة طفله". في بعض الثقافات يمنع الرجال من التواجد أثناء الولادة. بينما في أماكن أخرى، من ضمنها الولايات المتحدة الأميركية يشجع تواجد الرجل أثناء الولادة كطريقة لزيادة التقدير الأبوي لهذا الحدث الهام. هذا وتثار العديد من المفاهيم المثيرة للجدل في هذا التدريب: هل يحق أن يكون للرجال غير المتزوجين اكثر من شريكة، وهل ينبغي تقييم كل برنامج عن مشاركة الرجال على أساس كيفية تحسنه لصحة المرأة، وما إذا كان استخدام المرأة لوسائل تنظيم الأسرة بدون علم زوجها انتهاكا للثقة؟

    وبذلك تعكس الاستجابات لتلك العبارات مجالا واسعا من القيم الشخصية، التي تشكلها الخبرات الثقافية والتعليمية والمهنية، والتي تتأثر بوضوح بنوع الشخص. ويكون على العاملين في مجال الصحة الإنجابية مسئولية تقييم آرائهم الشخصية بحرص. فان تفهم الآراء الشخصية تجاه القضايا المتعلقة بالنوع يعد خطوة أساسية نحو خدمات افضل. وبهذه الرؤى، نكون مستعدين بشكل افضل لاتخاذ قرارات حيوية قد تكون لها تداعيات هاما على حياة الكثير من الرجال والنساء.

موقع الهيئة الدولية لصحة الأسرة

yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2089 مشاهدة
نشرت فى 9 مايو 2012 بواسطة yomgedid

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر