مبادرة نبيلة الدوافع تلك التى تبناها مئات الشباب لمساندة  البورصة المصرية، والتي إمتد أثرها إلى كثير من المصريين العاملين بالخارج . الذين إتفقوا على شراء كميات من الأسهم المصرية؛ للتقليل من حدة الهبوط المتوقع عند فتح البورصة نتيجة خروج المستثمرين الأجانب والمصريين المنتظرين لافتتاح البورصة لبيع ما لديهم من أسهم.

إلا أن تلك الدعوة التي تستند إلى عاطفه جياشه لحب مصر، في ظل ثورة الشباب التي نجحت في الإطاحة برئيس الجمهوريه تحتاج إلى ترشيد مسارها، كي تؤتي ثمارها المرجوه ولا تتحول مهما كبر حجمها إلى مجرد وجبة  يلتهمها حيتان البورصة المصريين والأجانب خلال جلسه تعامل واحده أو أقل .

ومن المهم أن يعرف هؤلاء الشباب الساعين إلى بذل أموالهم حبا فى مساندة إقتصاد بلدهم . أن البورصة تنقسم إلى سوقين أحدهما يسمى سوق الإصدار والأخر يسمى سوق التداول وسوق الإصدار يعنى السوق الذي يتم به إصدار الأوراق الماليه من أسهم وسندات.

سوق التداول بوابة الخروج

فعندما نود تأسيس شركة جديدة في أي نشاط إنتاجي أو خدمي، وليكن رأسمالها عشرة ملايين جنيه نقوم بتقسم تلك القيمة إلى أجزاء صغيره فى صورة أسهم ، ذات قيم محدودة لتسهيل شراء الجمهور لتلك الأسهم . ولتكن قيمة السهم خمسة جنيهات أو عشرة أو عشرين أو غير ذلك، بحيث يتم جمع رأس المطلوب لتأسيس الشركة.

ومن الطبيعى أنه خلال فترة إنشاء الشركة أن يحتاج بعض حملة أسهمها لثمنها . لمواجهة أية ظروف طارئه يواجهونها . فإذا حدث وذهب هؤلاء إلى الشركة لإسترداد قيمة أسهمهم . فإنهم سيجدون أموالهم قد تحولت إلى أسوار ومنشآت ومعدات ومواد خام ، ومن المؤكد أنهم سيرفضون أخذ قيمة أسهمهم مواد خام أو جزء من المعدات الخاصة بالشركة.

وفى نفس الوقت فإنه في حالة إعطاء الشركة لهؤلاء الراغبين في إسترداد قيمة أسهمهم بعض معدات الشركة، فإن ذلك يعنى تعطل العمل بالشركة ومن هنا كان التفكير في إنشاء السوق الثانية والمسماه بسوق التداول وهى البورصة الموجوده فى شارع الشريفين بالقاهرة والتي نشاهد صورها في نشرات الأخبار كل يوم .

ومهمة تلك السوق أنها تعد بمثابة البوابة التي توفر فرصة الخروج من سوق الإصدار للراغبين فى بيع أسهمهم، بحيث يجد الراغب في البيع أمامه مشتري يحل محله في سجل مساهمي الشركةن وبحيث تتم مسألة بيع الأسهم وشراءها بعيدا عن أسوار الشركة ليتفرغ القائمون على الشركة  لعمليات الإنتاج والتصدير والتطوير . . وهكذا فإذا كنا نعتبر سوق الإصدار هو المبنى فإن سوق التداول بمثابة بوابة المبنى التي يخرج من خلالها من يودون الخروج من سوق الإصدار .

الحكومة تستفيد من الإصدار

وتتنوع أشكال التعامل بسوق الإصدار سواء بتأسيس شركات جديدة أو توسع الشركات من خلال قيامها بزيادة رءوس أموالها، من خلال طرح أسهم بقيمة الزيادة المطلوبة ويفيد أسلوب اللجوء للأسهم للتمويل في الاستغناء عن اللجوء للبنوك  بحيث لاتصبح الشركة مطلوبا منها أقساط وفوائد قروض.

كما يمكن من خلال سوق الإصدار إصدار سندات للشركات للاقتراض من الجمهور لمدد محددة وبفائده محددة مسبقا أو بفائدة متغيرة، وهو أمر تستفيد منه الحكومات عندما تقترض من الجمهور على شكل سندات متوسطة وطويلة الأجل  لسداد العجز في موازنتها.

وهكذا يتضح مما سبق أن سوق الإصدار هى الأكثر إفادة للمجتمع، حيث أن أى إضافة بها عبارة عن تأسيس شركات أو توسع لشركات قائمة، أو اقتراض لشركات للتوسع أو اقتراض لحكومات لسداد ما عليها من التزامات للبنوك أو للموردين أو للمقاولين.

أما تعاملات سوق التداول فهي مجرد عملية نقل ملكية للأسهم،  وانتقال للأموال ما بين جيوب المشترين والبائعين للأسهم والسندات دون أي إضافة للناتج المحلي أي أن تلك الأموال الضخمة والتي بلغت خلال العام الماضى 321 مليار جنية ، لا تضيف آلة في مصنع أو فرصة عمل في الشركات التي يتم بيع وشراء أسهمها.

في حين نجد تعاملات سوق الإصدار خلال 2010 قد بلغت 165 مليار جنية توزعت ما بين 12 مليار جنيه تم بها تأسيس 2220 شركة جديدة  و138 مليار جنيه لزيادة رؤس أموال 1219 شركة . و15 مليار لنحو تسع اصدارات للسندات سواء للحكومة أوللشركات الخاصة .

تأثير سلبي للصناعة والزراعة

وهكذا نلاحظ كبر حجم تعاملات سوق التداول عن سوق الإصدار ففي العام الماضي كانت تعاملات سوق التداول 448 مليار جنيه مقابل 73 مليار جنيه فقط لتعاملات سوق الإصدار. بل إن مجموع تعاملات سوق التداول بالبورصة المصرية خلال السنوات الثلاث الماضية بلغت 1 تريليون و299 مليار جنية  دون أي إضافه للإنتاج أو لفرص العمل.

والخطر في سوق التداول أنه يؤثر سلبيا على الاستثمارات المباشرة في المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والخدمية وعلى الودائع المصرفية فعندما يستطيع المتعامل بسوق التداول الحصول على ربح نسبته 20 % من فلوسه كحد أقصى للربح اليومى لكثير من الأسهم . فإنه لن يتجه بأمواله للبنوك التي يبلغ متوسط عائد ودائعها السنوى حوالى 6 % .

كما أن حصوله على الربح بمجرد دخوله السوق خلال نفس اليوم للدخول لن يجعله يتجه للاستثمار الزراعي المباشر والذي يتطلب الإنتظار أربعة شهور على الأقل حتى ينضج المحصول أو الانتظار لفترة أطول حتى يتم إنشاء المشروع التجاري أو ينتطر الربح لثلاث سنوات حتى يتم إنشاء المشروع الصناعي.

خاصة وأن حوافز الاستثمار الوارده في قانون الضرائب على الدخل  قد أعفت أرباح التعامل في سوق التداول بينما تفرض ضرائب على الأنشطة الانتاجية والخدمية بالسوق بالإضافة إلى صور الجباية الأخرى من تأمينات اجتماعية وأمن صناعى وتفتيش عمالى وتفتيش صحى وبلديه وغيرها.

سوق الأصدار بكل المحافظات

ومن هنا فإن ترشيد العاطفة النبيلة للشباب الراغبين في مساندة البورصة يتطلب دخولهم سوق الإصدار كى يضيفوا لثروة البلد وليكن ذلك من خلال تأسيس شركة جديده تعمل في أي نشاط إنتاجي أو خدمي، خاصة وأن مصر تستورد معظم احتياجاتها الغذائية .. وسوق الإصدار ليس له مكان محدد مثل سوق التداول بل إنه يتسع جغرافيا ليشمل كل أنحاء البلاد بحيث يمكن تأسيس شركة على مستوى قرية أو حي أو مدينة أو محافظة أو على مستوى القطر وبرأسمال من نحو  ألف جنيه وحتى مئات الملايين .

ولو تم التفكير في إنشاء شركات بالمحافظات لكان ذلك أجدى للاستفاده بالمواد الخام الموجودة بنفس المحافظة، ولكي يتم تشغيل أبناء المحافظة بتلك الشركة، الأمر الذي يساهم في استيعاب جانب من البطالة وفي استقرار أسعار السلع التي سيتم انتاجها أيا كانت ولو كانت جبن أو زيتون او حتى مخللات وتأسيس الشركات أمر ميسور من خلال مكاتب المحاماة أو مكاتب المحاسبة.

ويمكن إقامة مشروعات من خلال الجمعيات الأهلية، أو تقديم مساعدات تنموية للفقراء من خلال تلك الجمعيات مثل الاقراض للمشروعات متناهية الصغر وهى القروض التى تتراوح مابين 300 جنيه وحتى ألف جنيه والتي تقوم من خلالها السيدات المطلقات والأرامل بإقامة مشروعات انتاجيه أو خدمية تتناسب مع خبراتهن مع السداد الأسبوعي او الشهري للأقساط.

قطاعات متضررة

ومن ناحية أخرى فإن كثرة التداعيات الاقتصادية السلبية للاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة تجعل مساندة البورصة فى المرتبه العاشره فى سلم الأولويات ضمن  القطاعات الاقتصادية المتضررة والتي تحتاج مساندة فمع الأحداث الأخيره انخفض عدد السياح القادمين مما جعل الآلاف من العاملين بها يتضررون، كما تضرر عمال اليومية الذين يصل عددهم إلى أكثر من 6 مليون شخص، بينما بلغ عدد المتعاملين بالبورصة خلال العام الماضى كاملا بلغ 117 ألف متعامل وكثير منهم من الأثرياء.

كذلك تسببت الأحداث في تضرر الاستثمار الداخلي في كافة القطاعات الانتاجية، وتوقف قدوم الاستثمار الخارجي. وتسبب بيع الأجانب لما لديهم من أذون خزانه مصرية وأسهم مصرية في نزوح كميات كبيره من الدولارات خارج البلاد وهو ما تكرر مع تحويل كثير من المصريين والأجانب جانبا من مدخراتهم بالبنوك المحلية إلى الخارج.

الأمر الذي زاد الطلب على الدولار والعملات الأجنبيه فزاد من قيمتها وهو ما يعنى من جهة أخرى إنخفاض قيمة الجنيه المصري أمام تلك العملات الأجنبية وبالتالي تتزايد تكلفة الواردات المصرية ويزيد أسعار السلع محليا وهو مايرفع نسبة التضخم. مما يجعل مساندة الجنيه المصري قضيه أكثر أهميه من مساندة البورصة لأن الجنية يؤثر على كل المصريين وليس على فئه خاصه منهم كما هو الحال بالبورصة.

محافظ البنوك العامة والمساندة

والمهم في توجه الشباب النبيل لمساندة البورصة أنهم حتى لو اشتروا بنحو مائة مليون جنيه أو مضاعفاتها فإن تلك المبالغ لن تقوى على صد الاتجاه الهبوطى للبورصة والتي تحتاج إلى عدة مليارات للمساندة، وهو أمر تقوم به البنوك العامة والمحافظ الاستثماريه التابعه للتأمينات الاجتماعية، بل إن البنوك العامة رغم قيامها بهذا الدور بما لديها من أموال ضخمة لم تستطع إيقاف الاتجاه الهبوطى في آخر يومين قبل إغلاق البورصة.

وستصبح أموال الشباب المتحمس بمثابة تقديم أسماك صغيرة جدا كوجبه  للحيتان، بل يمكن أن يسفر الأمر عن تقليل خسائر هؤلاء في بعض الأسهم  فبدلا من بيعهم سهم ما بسبعة جنيهات سيبيعوه بثمانية جنيهات مثلا.

أما من يقولون إنهم يشترون الأسهم المصرية بدلا من أن يشتريها الأجانب،  وتصبح شركاتنا في حوزتهم، فالاجانب يتجهون للبيع وليس للشراء خاصة وأنهم يعتبرون أن المخاطر السياسيه في مصر مازالت مستمرة وأن ماحدث في الحادى عشر من فبراير الماضي هو انقلاب عسكري وانتقال للأحكام العرفيه واستمرار لسيطرة العسكر على مقاليد البلاد ومن ثم فإنهم لا يقبلون على الإستثمار فى بلد أوضاعه لم تستقر بعد.

على الشباب أن يتبين مصلحة الداعين للفكرة من أصحاب شركات الوساطة أو إدارة البورصة أو بعض الإعلاميين الذين ترتبط  مصالحهم الخاصة بشركات الوساطة مما يجعل دعوتهم ذات غرض نفعي ذاتي.

ومن المهم معرفة أن انخفاض أسعار الأسهم يعتبر خساره دفترية لا تتحقق إلا بالبيع لها ويمكن أن نجد أن كثيرًا من المستثمرين بالبورصة قد اشتروا  كثيرًا من أسهمهم بأثمان بخسة ومازالت الأسعار الحالية مجزية لهم، لكنهم يقارنون الأسعار الحالية بأعلى سعر حققه السهم. فيمكن أن يكون شخصا قد اشترى كمية من الأسهم بسعر خمس جنيهات للسهم ثم ارتفع سعره حتى وصل إلى عشرين جنيها، فحسب ثروته على سعر العشرين جنيها . وبعد ذلك انخفض السعر إلى سبع جنيهات فهو يعتبر نفسه خاسرا بالقياس إلى سعر العشرين جنيه الذي وصل إليه السهم من قبل رغم أنه في الحقيقه مازال رابحًا بل إنه يمكن أن يكون أيضًا قد صرف كوبون ربح لذلك السهم.

المصدر: الأستاذ ممدوح الولي - موقع أون إسلام
yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 73/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 1526 مشاهدة
نشرت فى 14 فبراير 2011 بواسطة yomgedid

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر