هنري پول جوجان (Gauguin Paul) هو رسام فرنسي، تخرج من بين أحضان المدرسة الانطباعية، إلا أنه أبدى ميولاً أخرى، استعمل تدريجات واسعة من الألوان المنتظمة، في رسوماته الإهليجية (وهي التي تركز على الشكل العام للموضوع بدون التقيد بالتفاصيل الدقيقة). كان يريد أن يستكشف المنابع الأولى للإبداع، فأمضى فترة (منذ 1886 م) في بروتانيا (Bretagne)، قضاها رفقة جماعة من أصدقائه: إي. برنارد (É. Bernard) وآخرون (أطلق على المجموعة اسم: مدرسة جسر أڤن، ونشأت معها الحركة التركيبية).
التحق بعدها بصديقه الرسّام ڤان جوخ في مدينة آرل بالجنوب الفرنسي، قبل أن يستقر (1891م) في پولينزيا الفرنسية (تاهيتي، هيفا-أوآ)، كان له بالغ الأثر على أتباع المدرستين الوُحوشية والنابية.
رسَّام فرنسي اشتهر بالسيراميك، والنحت، والرسم الخشبي، في لوحاته الزيتية المزخرفة، كان يغيِّر الصورة الطبيعية بإدخال مساحات واسعة ملونة ومتعرِّجة، وسع أسلوبه الطرق التي يمكن للفنانين التعبير بها عن أنفسهم في بداية القرن العشرين. أثَّرت لوحاته الزيتية على المدرسة الفوفية، وبخاصة الرسام الفرنسي هنري ماتيس، كما أثرت على التعبيريين الألمان.
حياته:
وُلد يوجين هنري بول جوجان في باريس، ودخل عالم الملاحة البحرية عندما كان عمره 17 سنة كطالب عسكري في البحرية التجارية. ولكنه لم يواصل عمله البحري. فدخل، بدلاً من ذلك، الصناعة المصرفية وأصبح خبيرًا ماليًا ناجحًا. وفي عام 1873م، تزوج جوجان بمتِّي صوفيا جاد (ابنة وزير دنماركي)، وأنجبت له خمسة أطفال. وبعد زواجه بفترة قصيرة بدأ جوجان الرسم بالزيت وجمع الصور. في عام 1883م عانت الصناعة المصرفية من الإفلاس، مما حفز جوجان على استبدال عمله التجاري بالرسم.
تُشابه لوحات جوجان الزيتية المبكِّرة أعمال الرسامين الفرنسيين كاميل كورو وكاميل بيسارو. وكلما اكتسب جوجان خبرة كرسام، استخدم ألواناً زاهية وغنيَّة مؤكداً على النمطية بدلاً من الأشكال ذات الأبعاد الثلاثة.
ورغم هذا لم يستطع جوجان أن يبيع أيًا من لوحاته ووجد صعوبة في الإنفاق على نفسه وعائلته. تنازع مع زوجته على قضايا مالية، فانفصلا عام 1885م. في عام 1888م، انتقل جوجان إلى بريتاني (إقليم في شمال غربي فرنسا) وهناك قابل الفنان إميل برنارد. وشكَّل الرجلان أسلوبًا وفلسفة فنية عُرفت فيما بعد باسم التركيبية. تؤكد التركيبية على بساطة الشكل، والألوان المكثفة والتأثيرات الزخرفية ـ وقد برزت جميعها في لوحات جوجان الزيتية المتأخرة.
أواخر أيامه:
أعجب جوجان ببراءة الناس وصراحتهم. فظنَّ أنه يمكن أن يجد هذه الصفات في الناس البعيدين عن الحضارة المعاصرة. وأخذه بحثه عن هذه العينة من الناس إلى تاهيتي، حيث عاش من عام 1891م إلى 1893م. ثم عاد إلى فرنسا في 1893م ولكنه عاد مرة أخرى ليستقر في البحار الجنوبية في 1895م. واستوطن ثانية في تاهيتي متحاشيًا المستوطنين الأوروبيين هناك.
في رسوماته، أكبر جوجان سكان جزر البحار الجنوبية، واصفاً إياهم بالوداعة وسهولة الانقياد، كالعابرين في الأحلام. رسم المشاهد الاستوائية الغنية بألوان لامعة صافية. أعطى جوجان الكثير من لوحاته أسماء عناوين ملفتة للانتباه، مثل من أين أتينا؟ من نكون؟ إلى أين نحن سائرون؟.
اعتلت صحة جوجان بشكل خطير في التسعينيات من القرن التاسع عشر. فانتقل إلي جزر ماركيساس في 1901م ومات هناك. تبدو لوحته الأخيرة وكأنها تعبير أخير عن غربة رجل مريض يائس. فهي تُصوِّر منظرًا للشتاء في إقليم بريتاني الفرنسي.
ساحة النقاش