مع التقدم التكنولوجي واتساع مجالات الاتصالات والعلاقات بين دول العالم، لم تعد فرص العمل وحدها، وتحسن الوسائل المعيشية المعيار الوحيد لجذب السكان، فقد كان للاهتمام العالمي ونشر الوعي بالتأثيرات المختلفة للبيئة على قاطنيها مما حدا بالكثيرين للبحث عن أماكن جديدة تبعدهم ولو لفترة قصيرة عن التلوث الذي أحاط بالمدن وجعل منها مراكز للتأثير السلبي على صحة وكفاءة أداء سكانها.

ويهدف هذا المقال إلى توضيح كيفية إقامة بيئة تستوفي الاحتياجات المادية والنفسية والروحية لقاطنيها مع توفير دعائم وحوافز للانتقال إليها، ليس فقط من قبل الساعين إلى فرص العمل ولكن من قبل القاطنين ببيئات عمها التلوث لعدم التوازن بين التقدم التكنولوجي والبيئة بكافة أبعادها.

عمارة البيئة المستدامة أو العمارة الخضراء، وهي العمارة التي تعتمد أساساً على المواد الطبيعية في الإنشاء والتشطيب والتي تتلاءم مع البيئة المحيطة فلا ينتج عنها عناصر ذات آثار ضارة على صحة مستعمليها كما تعتمد على التصميم الذي يراعي احتياجات هؤلاء السكان سواء أكانوا كباراً أم شبابا نساء أو أطفال أصحاء أو ممن يعانون من قصور في أدائهم، فتكون هذه العمارة متوافقة مع متطلبات و توجهات من يستعملونها.

العمارة الخضراء للبيئة المستدامة:

 مفهوم العمارة الخضراء:

العمارة الخضراء للبيئة المستدامة هي عمارة ناتجة عن بيئتها وذات مسؤولية اتجاهها، أي عمارة تحترم موارد الأرض وجمالها الطبيعي. وهي عمارة توفر احتياجات مستعمليها إذ أنها تؤدي إلى الحفاظ على صحتهم، شعورهم بالرضا، زيادة إنتاجهم وإشباع احتياجاتهم الروحية وذلك من خلال العناية بتطبيق الاستراتيجيات المؤكدة لاستدامة البيئة.

- البناء المستدام:

البناء المستدام هو إيجاد إدارة بيئية صحية تعتمد على كفاءة استخدام الموارد واحترام المبادئ المؤدية إلى التجانس مع البيئة. فالمباني المصممة بأسلوب مستدام تهدف إلى خفض آثاره السليبة على البيئة من خلال كفاءة استخدام الطاقة والموارد . وذلك أن المباني تعتبر من أكبر مسببات الأضرار المتواجدة على الأرض، إذ أن التلوث الناتج عن تدفئة وتبريد البيئة الداخلية للمباني أكبر من التلوث الناتج عن عوادم السيارات حتى في الولايات المتحدة يضاف إلى ذلك أن صناعة مواد البناء تستهلك طاقة ضخمة وموارد غير متجددة، وأوضحت الدراسات المصرية أن التلوث الناتج عن إصدار غازي ثاني أكسيد الكربون الناتج عن استهلاك الصناعة للطاقة هو 26.7 % بينما ذلك الناتج عن الاستهلاك السكني والتجاري هو 10.10% من 94 مليون طن من غاز ثنائي أكسيد الكربون كنتيجة لاستهلاك الطاقة البترولية ويتضمن البناء المستدام المبادئ الآتية:
- خفض استهلاك الموارد الغير قابلة للتجدد.
- تحسين البيئة الطبيعية.
- خفض أو إزالة المواد الضارة السامة.

هذا ويعتبر البناء باستدامة (Sustainable building) أسلوب بناء يسعى للتكامل من حيث الجودة مع الأداء الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للمبنى. وبهذا يؤدي الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، والإدارة الملائمة للمبنى إلى الحفاظ على الموارد المحدودة، خفض استهلاك الطاقة والحفاظ عليها وتحسين نوعية البيئة المحيطة. أي أنه يتضمن الأخذ في الاعتبار العمر الافتراضي للمبنى نوعية البيئة التي يحتويها ونوعية الأداء لأنظمة المبنى والقيم المستقبلية المتوقعة في المجتمع.
فمن خلال كفاءة استخدام الموارد والطاقة وخفض الغازات المتسربة ومنع التلوث للهواء بالبيئة الداخلية من الفورمالدهايد ناتج من مواد العزل والخشب المضغوط والمواد السمية الناتجة عن الدهانات ومذيبات أنواع الورنيش، الزئبق والأسبستس الناتج عن الدهانات والعزل الصوتي وبلاطات الأرضية، والتلوث الضوضائي، والتناغم مع البيئة وتكامل أنظمة المبنى المختلفة نجد أن تصميم المباني الخضراء للبيئة المستدامة يسعى إلى حماية صحة مستخدميها، لتحسين إنتاجية العاملين فيها، استخدام الطاقة والمياه والموارد الأخرى بكفاءة أكبر، بالإضافة إلى خفض التأثير السلبي على البيئة.

مبادئ عمارة البيئة المستدامة :

يتميز الاتجاه الأخضر في إقامة البيئة المبنية بالشمولية في تصميم المباني، ولتحقيق الاستدامة في البيئة فيجب أن تراعي في عمارتها كافة الموارد التي يتضمنها المبنى سواء أكانت مواد أو طاقة أو مساهمة في توفير احتياجات مستعملي المبنى.

البيئة الصحية الداخلية:

يجب اتخاذ كافة الاحتياطيات لضمان عدم إصدار مواد البناء أو الأنظمة الإنشائية للمبنى أية غازات سامة تنتشر في جو البيئة الداخلية للمبنى. كما يتعين العمل على تجديد الهواء بالداخل وتنقيته بواسطة المزروعات والمرشحات.

كفاءة استخدام الطاقة:

يجب مراعاة كافة الإجراءات التي تضمن أن يستخدم المبنى أقل طاقة ممكنة في عمليات التبريد والتدفئة والإضاءة وذلك باستخدام الوسائل الفنية والمنتجات التي تحافظ على الطاقة المتوفرة وتحول دون سوء استخدامها.

المواد ذات التأثير الحميد على البيئة:

يجب مراعاة استخدام مواد البناء والمنتجات التي تؤدي لخفض تدمير البيئة عالميا. فيمكن اختيار الخشب شريطة أن لا يدمر ذلك الغابات كما تؤخذ في الاعتبار المواد الأخرى على أساس عدم سمية العناصر التي تنتجها.

التشكيل المرتبط بالبيئة المحيطة:

يجب مراعاة ضرورة ربط التشكيل والتصميم الخاص بالمبنى بالموقع المقام عليه، بالمنطقة وبالطقس، وذلك مع زيادة الاهتمام بالجانب البيئي للموقع. هذا مع توفير وسائل إعادة تدوير المخلفات (waste recycling). ويجب مراعاة تجانس العلاقة بين شكل المبنى، قاطنيه والطبيعة المحيطة.

التصميم الجيد:

يجب مراعاة الحصول على تصميم يحقق كفاءة مستمرة في العلاقات بين المساحات المستخدمة، مسارات الحركة، تشكيل المبنى، النظم الميكانيكية وتكنولوجيا البناء. كما يراعي التعبير الرمزي عن تاريخ المنطقة والأرض وكذلك القيم والمبادئ الروحية التي يجب دراستها، وذلك حتى يصبح المبنى متميزا بسهولة الاستعمال، جودة البناء، وجمال الشكل. أي أنه يمكن القول أن تصميم المباني الخضراء يضع الأولوية للصحة والبيئة، للحفاظ على الموارد وأداء المبنى خلال دورة حياته. وتعتبر معظم المباني الخضراء ذات كفاءة ونوعية متميزة وذلك أن عمرها الافتراضي أطول من مثيلتها التقليدية وتكلفة تشغيلها وصيانتها أقل وتوفر درجة أعلى من الرضا لدى مستعمليها عن المباني التقليدية. ومما يثير دهشة العديدة من الأفراد أن التصميم الجيد للمباني الخضراء يتميز بزيادة قليلة في تكلفة الإنشاء عن التصميمات التقليدية. هذا ويؤدي التفاني تحسين الأداء العمل بروح الفريق خلال عملية التصميم، الانفتاح على الاتجاهات التصميمية الجديدة، والمعلومات المتوفرة عن أفضل وسائل التطبيق إلى نتائج أكثر فعالية عن زيادة ميزانية البناء. هذا ويمكن القول بأن المهندس حسن فتحي من أوائل من دعوا إلى هذا الاتجاه حيث يوصف بأنه من مساندي الحفاظ على الطبيعة ففي أعماله العزل الحراري الطبيعي يتم من خلال تصميم نسيج المبنى والتصميم حول الفناء الداخلي تطبيقا لمبادئ الحفاظ على الطاقة والتهوية الطبيعية المناسبة.

التصميم المستدام:

التصميم المستدام هو التداخل بين العمارة والهندسة الكهربائية والميكانيكية والإنشائية. وبالإضافة للاهتمام للجماليات التقليدية للحجم، النسب، المقاييس، الملمس، الظلال والضوء فان فريق تصميم المبنى يجب أن يهتم بالتكاليف طويلة المدى بيئيا، اقتصاديا، وبشريا. وقد حدد معهد روكي ماونتن خمسة عناصر للتصميم المستدام، ألا وهي:

  •     شمولية التخطيط والتصميم وأهمية القرارات الابتدائية، إذ أن لها أكبر الأثر في كفاءة استخدام الطاقة، مثل التصميم الشمسي السلبي الذي يستفيد من الطاقة الشمسية بالتوجيه المناسب، وكذلك الأمر للإضاءة الطبيعية والتبريد الطبيعي.
  •     اعتبار التصميم المستدام فلسفة بناء أكثر من كونه طراز مقترح للبناء حيث أن المباني التي تبنى بهذا الفكر غير محددة الفكر أو الطابع.
  •     لا يتعين زيادة تكلفة المباني المستدامة عن المباني التقليدية، كما أنها لا تختلف عنها في بساطة أو عدم تعقيد التصميم.
  •     تكامل التصميم باعتبار كل عنصر من العناصر جزءا من الكل وضروري لنجاح هذا التصميم.
  •     اعتبار خفض استهلاك الطاقة والحفاظ على صحة الأفراد وتحسينها أهم مبادئ التصميم المستدام.

هذا وتتضمن عناصر التصميم الأخرى ما يلي:
الحفاظ على الطاقة، مراعاة الملامح المعمارية للمبنى، دراسة الغلاف الخارجي للمبنى ومدى حفاظه على الطاقة، استخدام الأنظمة الميكانيكية والكهربائية للطاقة بكفاءة، توفير الظروف الصحية الملائمة لمستعملي المبنى. وحيث أنه من أهم الأمور التي نسعى حاليا إلى تحقيقها إقامة بيئات صحية خالية من التلوث وسيوضح ذلك من خلال تناول وسائل ممارسة فكر البناء الأخضر لعمارة البيئة المستدامة عند اختيار مواد البناء وإعداد البيئة التي تراعي أهمية صحة وأمان مستخدمي المبنى.

 

بعض الوسائل المتبعة لتطبيق فكر البناء الأخضر:

 

كفاءة المواد المستخدمة:

يراعي التصميم الأخضر خصائص هذه المواد من حيث انعدام أو انخفاض ما ينبعث منها من عناصر أو غازات ضارة أو انخفاض درجة السمية لهذه المواد، واحتمالية تدويرها لإعادة استخدامها، مقاومتها للاضمحلال، عمرها الافتراضي والقدرة على إنتاجها محليا ويقترح استخدام المواد الناتجة عن الهدم والإزالة حيث أنها تضم مواد غير نشطة من حيث انعدام التفاعلات الكيميائية الداخلية بها، كما يقترح استعمال التصميم المتوافق الأبعاد بالاعتماد على المقاييس المتكررة والذي يؤدي لإقلال التكلفة بخفض المواد المستخدمة.
ويهتم أيضا التصميم المستدام بتوفير فراغ كافي لتنفيذ برامج التخلص من المخلفات الصلبة، إعادة تدوير مخلفات الهدم، وتضمن البرنامج الزمني وقت مخصص لتجميع المخلفات التي سيتم تدويرها.

صحة وأمان مستخدمي البناء:

أوضحت الدراسات أن المباني التي تتميز ببيئات داخلة جيدة التشطيب يمكن أن تؤدي إلى خفض نسبة أمراض الحساسية، الربو والأمراض الناتجة عن تأثير ما تتضمنه المباني من عناصر كيميائية أو نواتج لمشتقات البترول والبتر وكيميائية إذ منها ما يؤثر مباشرة على الدماغ ومنها ما يؤثر على الجهاز المناعي فيعرض الفرد إلى أمراض مدمرة، كما أن تحسين البيئة الداخلية يؤدي إلى رفع كفاءة أداء العاملين وفوائد ذلك تفوق التكلفة بمعامل 8الى14، ويجب اختيار مواد البناء ومواد التشطيبات التي لا ينبعث منها عناصر مؤثرة على الهواء إذ أن العديد من مواد البناء والصيانة والتنظيف تصدر غازات سامة كالمركبات العضوية الطيارة التي تصدر من ألواح الجبس أو المركبات المكونة لمواد لصق هذه الألواح.
ويجب أن يراعى تفادي التلوث الميكروبي باستخدام المقاومة لنمو الميكروبات، واستخدام وسائل الصرف الفعالة وبالتنسيق المحيط بالموقع، مع ضرورة توفير التهوية المناسبة بالحمامات، الصرف الجيد للرطوبة من أجهزة التكييف ومراعاة تحكم أنظمة المبنى الأخرى في الرطوبة.

القيم الروحية للاستدامة في التنمية والعمارة:

أن تطوير التصميم البيئي (الأخضر أو المستدام) اعتقادا بأن المباني التي توفر بيئة تحفظ صحة مستعمليها وتستخدم طاقة أقل وتؤدي إلى خفض تأثيرها السلبي على البيئة لن يكون ذا جدوى إذا كان بمعزل عن ثقافة وأسلوب حياة المجتمع. فإذا تم خفض استخدامات الطاقة في المباني لاستخدامها في أنشطة أخرى فلن يكون الاتجاه التصميمي قد حقق الهدف منه.
لذلك لابد من ربط هذا الفكر التصميمي بالقيم الأساسية التي تسود ثقافات كثيرة حول العالم . وذلك أن القيم التي استشرت مثل الجشع، الاتجاه في تحقيق النمو اللانهائي يعكس نوع من العنف عندما ننعزل عن شبكة الحياة ونعطي لأنفسنا الحق في أن نأخذ من الآخرين ومن المستقبل ومن الطبيعة ما يشبع رغباتنا المادية اللانهائية. ويعتبر ذلك اتجاه انتحاري حيث أنه سيدفع بالبشرية خلال 25 عاما المقبلة إلى استهلاك من الحياة أكثر مما يوجد على كوكبها.
إن وجود عدد من القيم المتدنية التي أدت إلى انتشار العديد من الأمراض الاجتماعية مثل العنف، الإدمان، الجرائم، استغلال الأطفال، العنف ضد الزوجات، تحطيم الأسرة، اللامبالاة، انعدام المأوى، التسرب من التعليم، الفقر، إنما يعكس انعدام المناعة النفسية والروحية وقد أوضحت الدراسات أن هذا الانهيار المناعي ينبع من الإحساس بانعدام القيم، عدم الاحترام للآخرين ومن الآخرين، عدم إتاحة الفرص لكي يكون الفرد ذو نفع لمجتمعه وأسرته، وهي مشاكل نفسية وروحية.
إن العمل الذي يؤدي لإثراء المهارات، احترام الذات، الاحترام المتبادل والإحساس بأن الفرد ذو قيمة للمجتمع هو عمل يشبع الاحتياجات الروحية ويساعد على الاستدامة وتحقيق العلم الذي نحلم بوجوده. فهذا الناتج الداخلي للعمل والمردود النفسي له قد يكون أكثر جدوى ونفع من الناتج الخارجي له. فالاستدامة تستلزم تحولات في معتقداتنا وأفعالنا وبناء المؤسسات التي تستبعد قيم الاستهلاك غير المتسق مع المجتمع، والجشع، والعنف، وذلك لكي نصل إلى مفاهيم وقيم تساعد في تنمية الأساس الروحي للتنمية في حياتنا ومجتمعنا مثل القيم المؤكدة على ثراء العمل والحصول على السعادة بأقل استهلاك، وعدم التمسك بالسعي وراء الثروة. فالنمو الذي اعتبر ضروريا لمساعدة الفقراء أدى إلى تركيز الثروة في يد الأغنياء، إذا فهناك حاجة إلى العدالة في توزيع العائد لإزالة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية. يضاف إلى ذلك أن تثبيت معدلات التنمية وتحقيق العدالة برفع عدم الإنصاف يمكن أن يؤدي إلى خفض استهلاك الطاقة، المادة والتمويل والتكلفة البشرية بدون خفض المستوى المادي للمعيشة وبدون الحاجة للحلول التقنية.

المصدر: موقع omaranet.com موقع وورلد آراب
yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 371/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
125 تصويتات / 9055 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2010 بواسطة yomgedid

ساحة النقاش

vbn
<p>شكرا لكل ماقمت من معلومات مفيده</p> <p>ولكن نحنو بحاجه لمشاريع قامه مشابه</p>
ahmedomer65
<p>جزاك الله خيراً</p>

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر