يقف العالم حالياً أمام تحديات كبرى تشكل خطراً على الحياة البيئية في العالم، ومن أبرزها ظاهرة الاحتباس الحراري وهي الناتجة عن زيادة كثافة بعض الغازات (مثل ثاني أكسيد الكربون) في الهواء الجوي، ونتيجة لذلك ترتفع درجة حرارة الجو.
فمن المعروف علمياً أن درجة حرارة الأرض التي تسمح باحتمال الحياة على السطح هي 60° فهرينهايت، نتيجة لقيام أنواع معينة من الغازات بحبس الطاقة الحرارية الواصلة من الشمس مما ساعد على تكون الحياة في بدايات الأرض، لكن الزيادة المستمرة في نسبة هذه الغازات منذ بداية الثورة الصناعية أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة عالمياً.
وقد أثبتت الدراسات أنه خلال القرن الماضي ارتفعت نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 30% أما غاز الميثان فقد زاد بنسبة الضعف، و15% كانت الزيادة في نسبة غاز أكسيد النيتروجين. وكانت سجلت سنة 1998 أعلى درجة حرارة تاريخياً، ونتيجة لذلك ارتفع منسوب سطح البحر بنسبة 4-8 انشات عالميا.
ومن المتوقع أن ترتفع درجة الحرارة بمعدل 1°-4.5° خلال الخمسين سنة القادمة، و 2.2°- 10° بانتهاء القرن الحالي، ونتيجة لذلك ستزداد نسبة التبخير، كما ستقل نسبة رطوبة التربة مما سيؤثر على نوعية الزراعة في كثير من المناطق، وستتعاظم العواصف الممطرة و يزداد ذوبان الثلوج في الأقطاب مما سيؤدي إلى ارتفاع منسوب البحر.
إن كل هذه العوامل ستؤثر بالتأكيد على نوعية الغطاء النباتي، حيث ستزداد الإنتاجية الزراعية في المناطق المتجمدة والباردة حالياً وتنخفض في المناطق شبه المدارية نتيجة لزيادة جفاف هذه المناطق، كما سيؤدي تغير المناخ إلى زيادة في الأمراض وتنوع الآفات الزراعية إضافة إلى تغييرات في نوعية المحاصيل الزراعية ومواعيد الزرع وممارسات الحرث، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية المباشرة و غير المباشرة على صحة الإنسان، وامتداد الأمراض الاستوائية والمعدية مثل: الملاريا والحمى الصفراء والتهابات الدماغ الفيروسية إلى أماكن ومناطق جديدة.
أبرز ملامح اتفاقية كيوتو:
وفي عام 1997 عقدت قمة عالمية لمناقشة ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض في مدينة كيوتو اليابانية، حيث وافقت أكثر من 150 دولة بالإجماع على بروتوكول لتقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري. وبموجب هذا البروتوكول تلتزم الدول الصناعية بتخفيض إنتاجها من هذه الغازات بمقدار 5.2% عن مستوى إنتاجها لهذه الغازات.
وفي هذا البروتوكول وافقت دول الاتحاد الأوروبي على خفض إنتاجها بمقدار 8%، والولايات المتحدة بمقدار 7%، أما اليابان وكندا والمجر فستقلل من إنتاجها بمقدار 6% وتعهدت روسيا و أوكرانيا و نيوزيلندا على المحافظة على مستويات إنتاجها من غازات الاحتباس الحراري التي كانت تنتجها سابقاً.
هذا وتعهدت هذه الدول على تحقيق هذه التخفيضات في الفترة بين العام 2008 وعام 2012، ورغم ان اتفاقية تغيير المناخ لم تضع أية قيود أو ضوابط طوعيه على الدول النامية إلا أن عدة دراسات للبنك
الدولي ومعهد المصادر العالمي أشارت إلى ان هذه الدول تقوم بمجهود ملموس وفعال لتقليل إنتاج غازات الاحتباس الحراري.
الأضرار الناتجة عن الاحتباس الحراري:
ومن الضروري أن نعلم بأن الاحتباس الحراري يعني كل إنسان في هذا العالم، لأن ارتفاعاً في المعدلات الحرارية لبضع درجات مئوية فقط قد يؤدي إلى كوارث مخيفة كما يحدث حالياً في مختلف أنحاء العالم، ويمكن لهذا الارتفاع الحراري أن يحدث تغييرات هائلة في الظروف الحياتية للإنسان، وكذلك للإمكانيات الطبيعية على سطح الكرة الأرضية لدعم الحياة البشرية، وقد لا يشعر بها البعض بشكل مباشر، إلا أن التغيرات المناخية تؤذينا جميعاً.
فمثلاً قد يؤثر هذا على البعض عن طريق:
1- غلاء المعيشة لأن الأشخاص سيدفعون ثمناً أكثر للطعام، لأن الفيضانات في مناطق والجفاف في مناطق أخرى تؤثر سلباً على المحاصيل الزراعية.
2- انتشار أخطار الأمراض المعدية مثل الملاريا التي تنتشر بسرعة أكبر في ظروف الارتفاع الحراري والأجواء الرطبة.
3- التهديد بفقدان المنازل والأملاك وكل أملاكه والأهل عندما يتعرض الأفراد إلى كارثة طبيعية مثل تسونامي أو كاترينا وما شابههما من الكوارث الناجمة عن الاحتباس الحراري والتلوثات البيئية التي أصبحت لا تحتمل.
حلول مقترحة لمشكلة الاحتباس الحراري:
ويسعى العلماء إلى إيجاد حلول لمشكلات الاحتباس الحراري عن طريق:
1- تسريع دورة غاز ثاني أكسيد الكربون الطبيعية عن طريق حقنه في باطن الأرض أو في المحيطات، وتقوم الفكرة أساساً على خزن غاز ثاني أكسيد الكربون الحابس للحرارة في مكامن طبيعية بدلاً من تركه يتراكم في الطبيعة. ومن الممكن ضخه في تكوينات جيولوجية تحت الأرض مثل طبقات فحم لا يمكن استخراجها أو آبار النفط أو الغاز الناضبة أو مكامن مائية ملحية.
2- إمكانية ضخ ثاني أكسيد الكربون مباشرة في المحيطات بتراكيز لا تؤثر في المنظومة البيئية الموجودة في المنطقة، على أعماق تضمن بقاءه في المحيطات، في حالة الخزن في باطن الأرض.
3- البيوت الخضراء: من المعروف أنه كلما امتص الغلاف الجوي الطاقة الحرارية ارتفعت حرارة المحيطات وسطح الكرة الأرضية بشكل عام، ويسمى هذا بفاعلية البيوت الخضراء الذي بدونه يصبح متوسط حرارة الغلاف الجوي للكرة الأرضية أقل بثلاثين درجة مئوية، مما يجعل الحياة غير ممكنة عليها؛ فامتصاص الغازات الموجودة في الغلاف الجوي للحرارة المنبعثة كناتج لاحتراق أية مادة على سطح الأرض وفي الغلاف الجوي يؤدي إلى ارتفاع في المعدلات الحرارية.
فعلى سبيل المثال: فإن تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في كوكب الزهرة إلى حد أدى إلى ارتفاع في الحرارة لا يمكن العيش في وسطها لأي من الكائنات.
4- رافق ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الناجمة عن النشاطات البشرية ارتفاع جوهري في معدلات الحرارة العالمية، وفي عام 2002 كان المعدل الحراري العالمي ثاني أعلى معدل بعد عام 1998، حيث سجل ارتفاعا في هذا المعدل يساوي نصف درجة مئوية خلال العقود الثلاثة الماضية. وأظهرت التحليلات العلمية للتقلبات المناخية خلال السنوات الماضية بأن مثل هذا التسارع في ارتفاع المعدلات الحرارية غير طبيعي إلى حد كبير، ويتوقع العلماء أن المعدلات الحرارية للكرة الأرضية سوف ترتفع خلال هذا القرن بشكل لم يحدث خلال العشرة آلاف سنة الماضية.
5- درجات الحرارة سوف ترتفع في المحيط المتجمد الشمالي أكثر بمرتين أو ثلاث مرات مقارنة مع المناطق الأخرى، وفي حين تتكون مساحة جزيرة جرينلاند بنسبة 85 بالمائة من الجليد؛ فإذا ذابت الكتل الجليدية في هذه المنطقة، فإن منسوب المياه سيرتفع في جميع أنحاء العالم بنسبة 7 %، وتشير البحوث البيئية إلى أن ارتفاع منسوب المياه يهدد حياة 17 مليون نسمة. ويدور الحديث قبل كل شيء عن بلدان أصبحت في مهب الريح ومعرضة للغرق مع ارتفاع منسوب المياه مثل بنجلاديش والهند وولايتي فلوريدا ولويزيانا الأمريكيتين، حيث أن هذه المناطق تقع على ارتفاع متر واحد فقط فوق سطح البحر، كما تتوقع البحوث اندثار أكثر من 22 ألف من دببة المناطق الجليدية، لأن حياة هذه الحيوانات الطبيعية ستكون مهددة إذا ذابت الكتل الجليدية التي تستخدمها كمكان آمن لها.
أما إمكانيات المساعدة المتاحة لحل أزمة الاحتباس الحراري:
و يحتاج الأمر هنا إلى تعاون وتضامن دولي كامل من المجتمعات والحكومات والأفراد للمساعدة على تخطي أزمة الاحتباس الحراري، ويكون ذلك بعدة وسائل:
1- خفض حقيقي لكميات الطاقة المستنزفة غير القابلة للتعويض .
2- خفض نسب التلوث البيئي فهناك مثلاً إمكانية لتوليد الكهرباء باستخدام الرياح أو الأشعة الشمسية، بعيداً عن مصادر الطاقة التي تنضب.
3- استخدام النقل العام بدلا من اعتلاء كل منا سيارته العامة أو الخاصة وخفض عدد الرحلات والمشاوير غير الضرورية في السيارات والطيارات.
4- ترشيد الطاقة عن طريق إغلاق صنابير المياه وترشيد استخدامها، وإغلاق الكمبيوتر الذي لا نستخدمه.
5- استخدام الأبنية المعزولة جيداً مثل الأبنية الترابية القديمة التي يكون حاجتها أقل بكثير للتدفئة شتاء وللتبريد صيفاً.
6- البحث عن وسائل أخرى مستدامة لتوليد الطاقة كالطاقات الخضراء لزيادة حصتها ونسبتها المئوية في سوق الطاقة، مثل الطاقة الشمسية وهذا النوع من الطاقة متوافر مجاناً في معظم دول العالم بل إن حسابات علماء الطاقة أكدت أن مجمل الطاقة التي يحتاجها العالم خلال عام يمكن الحصول عليها من الطاقة المتوافرة في أشعة الشمس خلال تعرض الكرة الأرضية لها لمدة ساعة زمنية واحدة فقط.
كل تلك الحلول يمكن الاستفادة منها للحد من استهلاك الطاقة، كما يمكننا النظر إلى تجارب الشعوب الأخرى؛ فاليابانيون دعوا مجتمعهم إلى عدم ارتداء ربطة العنق كي يخفضوا حاجتهم للتكييف في الصيف أثناء العمل، والشعوب الاسكندنافية تستخدم الدراجات الهوائية للذهاب إلى العمل والتنزه أيضاً، وهناك صف كامل من الممكنات لتوفير الطاقة وخفض التلوث البيئي وخصوصا عند الهادرين للثروات.
ساحة النقاش