إن العداء الجيد بقطع مسافة  قدرها 1.5 كم، في 3 دقائق و50 ثانية ( الرقم القياسي العالمي لعام 1985 هو 3 دقائق و 36.8 ثانية ). وللمقارنة مع السرعة العادية للمشاة – 1.5 م في الثانية- يجب القيام بعملية حسابية صغيرة . عندئذ يظهر أن العداء بقطع في الثانية الواحدة 7 أمتار . وبالمناسبة، فان هذه السرع غير ثابتة : إذ يستطيع  الإنسان أن يسير طويلا لعدة ساعات كاملة ، وإن يقطع في الساعة الواحدة 5 كم. أما العداء، فيستطيع المحافظة على سرعته الكبيرة لمدة قصيرة فقط. إن وحدة المشاة العسكرية ، تنتقل بخطوات سريعة ، أبطأ بثلاث مرات  من سرعة العداء، إذ تقطع في الثانية الواحدة 2 م، أو ما يزيد على 7 كم في الساعة الواحدة ، ولكنها تمتاز عن العداء، بقابليتها لقطع مسافات أكبر كثيرا.

ومن الممتع، مقارنة الخطوة العادية للإنسان ، بسرعة بعض الحيوانات البطيئة – التي يضرب بها المثل- كالقوقعة والسلحفاة. وقد أكدت  القوقعة تماما، صحة ما يقوله عنها المثل : فهي تقطع 1.5 مم في الثانية ، أو 5.4 في الساعة- أقل من الإنسان  بألف مرة تماما . ولا يستطيع الحيوان الآخر، النموذجي في البطء ، وهو السلحفاة ، إن يجرى بسرعة تزيد عن 70 م في الساعة.

والإنسان  الحثيث الخطى ، بالنسبة للقوقعة والسلحفاة، يبدو في عالم آخر، إذا قارنا حركته، حتى ببعض الحركات غير السريعة جدا ، الموجود في الطبيعة المحيطة بنا . وهو ، والحق يقال، يسبق مجرى الماء في أكثر الأنهار  الجارية في السهول  بسهولة ، ولا يتأخر كثيرا عن الرياح المعتدلة . ولكن الإنسان يستطيع بنجاح مسابقة الذبابة ، التي تطير بسرعة 5 م الثانية ، ما لم يكن يتزلج على الثلج . وليس في استطاعة الإنسان أن يسبق الأرنب  أو كلب الصيد، حتى لو كان على ظهر حصان سريع . ويستطيع مسابقة النسر ، بركوبه طائرة فقط.

إن المكنات التي اخترعها الإنسان، جعلت منه أسرع مخلوق على وجه الأرض . وقد تم في الاتحاد السوفييتي، صنع سفن ركاب ذات أجنحة تحت سطح الماء ، تتراوح سرعتها بين 60 و 70 كم / ساعة.

ويستطيع الإنسان أن يتحرك على الأرض، أسرع مما يتحرك على الماء. وفي الاتحاد السوفييتي ، تبلغ سرعة قطارات الركاب، على كثير من خطوط السكك الحديدية  140كم / ساعة . وتصل سرعة سيارة الركاب (( تشابكا )) ، التي تحتوى على سبعة مقاعد، إلى 160 كم / ساعة أما سرعة الطيران الحديث، فقد فاقت كافة السرع المذكورة كثيرا.

وفي الاتحاد السوفييتي، وكذلك في عدد من الدول الأخرى ، تعمل على الخطوط الجوية المدنية ، طائرات ركاب سوفييتية نفاثة كثيرة المقاعد ، من طراز تو – 104 وتو -114 وال -18 وال -62 وغيرها .

ويتراوح معدل سرعة طيرانها بين 800- 1000 كم / ساعة . ومنذ وقت غير بعيد ، وضع المصممون أمامهم ، مسألة اختراق (( الحاجز الصوتي)) والانطلاق بسرعة  يزيد على سرعة الصوت (330 م/ ثانية ، إي 1200 كم / ساعة ) . وقد تم في الوقت الحاضر حل هذه المسألة  . أن سرعة الطائرات الحربية – لا المقاتلة فحسب ، بل وقاذفات القنابل أيضا – تفوق سرعة الصوت بثلاث أو أربع مرات.

وقد تم في الاتحاد السوفييتي صنع طائرات ركاب ، تفوق سرعتها سرعة الصوت ويمكن أن تصل سرعة الأجهزة  التي اخترعها الإنسان، إلى أكثر مما ذكرناه . لقد أطلق  القمر الصناعي السوفييتي الأول ، بسرعة ابتدائية  بلغت حوالي 8 كم / ثانية . وسرعان ما زادت سرعة الصواريخ الفضائية السوفييتية ، المسماة  بالسرعة الكونية الثانية ، فبلغت فوق سطح الأرض 11.2 كم / ثانية ، الأمر الذي مكنها من الوصول إلى القمر ، ومن ثم إلى الزهرة والمريخ.

<!--<!-- <!--

ونقدم فيما يلي جدولاً للسرع المختلفة لكي يطلع عليه القارئ:

هل يمكننا الطيران من مدينة فلاديفستوك في الساعة الثامنة  صباحا ، والوصول إلى مدينة  موسكو في الساعة الثامنة من صباح نفس اليوم ؟ ليس هذا السؤال عديم المعنى بتاتا. نعم ، يمكننا ذلك . ولكي نفهم هذا الجواب ، يجب فقط إن نتذكر أن الفرق بين توقيت مدينتي فلاديفيتوك وموسكو ، يبلغ تسع ساعات. فإذا استطاعت الطائرة قطع المسافة بين فلاديفستوك وموسكو في ذلك الزمن ، لوصلت موسكو في نفس الساعة التي أقلعت فيها من فلاديفستوك.

وتبلغ المسافة بين فلاديفستوك وموسكو ، حوالي 9000 كم . وهذا يعنى إن سرعة الطائرة يجب أن تساوى9000 / 9 = 1000 كم / ساعة . وفي الظروف الراهنة ، يمكننا بسهولة الوصول إلى مثل هذه السرعة.

ولكي (( نسبق الشمس )) ( أو الأرض بالاحرى) ، عند خطوط العرض القطبية ، نحتاج إلى سرعة قليلة جدا . فعند خط العرض 77 ( فوق المنطقة المسماة نوفايا زيمليا )، تقطع الطائرة التي تبلغ سرعتها حوالي 450 كم / ساعة ، نفس المسافة التي تقطعها نقطة معينة فوق سطح الأرض ، أثناء دوران الأرض حول محورها ، في نفس الفترة من الزمن . وبالنسبة لراكب مثل هذه الطائرة ، تكون الشمس واقفة ، وتبقى معلقة في السماء بلا حراك ، دون تميل إلى المغيب ( وعند ذلك ، بالطبع ، يجب أن تتحرك الطائرة في الاتجاه الملائم ). والأسهل من ذلك، أن (( نسبق القمر )) في دورانه الذاتي حول الأرض. أن سرعة دوران القمر حول الأرض ، أبطأ  بتسع وعشرين مرة من سرعة دوران الأرض  حول محورها ( تتم المقارنة ، بالطبع ، بتلك السرع التي تسمى بالسرع (( الزاوية )) وليس بالسرع الخطية ) . ولهذا السبب، تستطيع الباخرة  التي تتراوح سرعتها بين 25 و 30 كم / ساعة ، إن (( تسبق القمر )) عند خطوط العرض المتوسطة.

وقد ذكر مارك توين هذه الظاهرة ، في مقالاته المعنونة (( بلهاء في الخارج )) أثناء رحلة عبر المحيط الاطلسى ، من مدينة نيويورك إلى الجزر الخالدة (( كان الجو صيفيا رائعا ، وكان الليل  أجمل من النهار.

لاحظنا ظاهرة غريبة ، هي ظهور  القمر  في نفس النقطة من السماء ، وفي نفس الوقت من كل مساء. وفي بداية الأمر، بقى  تصرف القمر بهذا الشكل الغريب، لغزا محيرا بالنسبة لنا، ولكننا أدركنا السبب فيما  بعد : لقد كننا نوفر كل يوم عشرين دقيقة من الوقت، لأننا كنا نسير بسرعة نحو الشرق ، إي ربحنا من الوقت في كل يوم، ما يكفينا للحاق بالقمر )). أن جزءا  من ألف من الثانية ، لا يعنى أي يعنى شيء ، بالنسبة للأنساب  الذي اعتاد على قياس  الزمن بمقاييسه المألوفة. أن مثل هذه الفترات الزمنية، أخذت تصادفنا في  حياتنا العملية ، منذ وقت قريب فقط. وعندما عين الاقدمون الوقت، تبعا لارتفاع الشمس أو لطول الظل، لم يكن هناك مجال للحديث عن الدقة ، حتى لحد الدقيقة. فقد  اعتبر الناس الدقيقة ، زمنا من الضآلة بمكان ، بحيث تنتفي الحاجة إلى قياسه. لقد عاش الاقدمون حياة متوانية ، بحيث لم تحتو ساعاتهم – الشمسية والمائية والرملية – على تقاسيم خاصة بالدقائق. أما عقرب الدقائق ، فقد ظهر على الساعة لأول  مرة ، في مطلع القرن الثامن عشر. كما ظهر عقرب الثواني في مطلع التاسع عشر.

ما الذي يمكننا إن نفعله في جزء من ألف من الثانية؟ أشياء كثيرة! فالقطار، يستطيع خلال هذه الفترة الزمنية ، أن يقطع مسافة لا تزيد في الحقيقة  على ثلاثة سنتمترات فقط، ويقطع الصوت مسافة قدرها 33 سم ؛ وتقطع الطائرة مسافة تقدر بنصف متر تقريبا؛ وتقطع الأرض أثناء دورانها حول الشمس ، مسافة قدرها 30 م؛ أما الضوء فيقطع مسافة تبلغ 300 كم.

 ولو كان باستطاعة الحشرات المحيطة بنا، أن تناقش الأمور، لكان من المحتمل إلا تعتبر هذا الجزء من الألف من الثانية ، زمنا لا قيمة له. إذ قيمته  ملموسة  تماما لدى الحشرات. إن البعوضة تخفق بجناحيها ، ما يتراوح بين 500 و 600 مرة في  الثانية ؛ وهذا يعنى أن البعوضة تستطيع في فترة جزء من ألف من الثانية ، أن ترفع جناحها  أو يخفضهما . أما الإنسان ، فلا يستطيع تحريك أعضائه ، بمثل هذه السرعة ، كما  تفعل البعوضة . أن أسرع حركة لدينا ، هي طرفة العين (( غمزة العين )) أو (( اللحظة ))، في مفهومها الأساسي.

وهي بسرعة كبيرة، بحيث لا نشعر معها، حتى  بانقطاع   الرؤيا، الوقتي. ولكن البعض يعرف أن هذه الحركة – التي تعنى سرعة لا يمكن التعبير عنها – تحدث بصورة بطيئة نوعا ما، إذا ما قيست بأجزاء من ألف من الثانية فقد سجلت المقاييس الحساسة، أن (( طرفة العين )) بأكملها، تستغرق في المعدل 2/5 ثانية ، أي 400 جزء من ألف من الثانية.

وتتم هذه العملية على عدة مراحل كما يلي :

أولا: أطباق الجفنين ، ويأخذ من الوقت ما يتراوح بين 75 و90 جزءا من ألف من الثانية.

ثانيا: سكون الجفن المطبق وعدم تحركه ، ويستغرق ما يتراوح بيم 130 و 170 جزءا من ألف من الثانية.

ثالثا: فتح الجفنين ، ويستغرق حوالي 170 جزءا من ألف من الثانية .

وكما نرى ، فان ( طرفة  العين )) الواحدة ، بالمعنى الحرفي  لهذه الكلمة ، هي فترة زمنية كبيرة نوعا ما ، حتى أن جفن العين يستطيع خلالها الراحة  قليلا.

ولو استطعنا أن نتخيل الصور المستقلة لما يحدث خلال من ألف من الثانية ، لرأبنا (( في طرفة العين الواحدة ))  حركتين سلستين لجفن العين ، تفصلهما فترة   فترة استراحة.

 ولو كان جهازنا العصبي  مركبا بهذا الشكل ، لرأينا العالم المحيط بنا متغيراً كل  التغير . وقد قام الكاتب  الانكليزى ، ويلز بوصف تلك الصور الغريبة ، التي كنا سنراها عندئذ بأعيننا ، وذلك في قصته "أحدث معجْل". لقد تناول أبطال القصة دواء وهمياً، يؤثر على لجهاز لعصبي، بحيث يجعل أعضاء الحس سريعة التأثر بسلسلة الظواهر السريعة الحدوث.

وهذه عدة أمثلة من القصة:
- هل رأيت حتى الآن ستارة معلقة على النافذة بهذا الشكل؟
    نظرت إلى الستارة، فوجدت إنها جامدة، وكانت زاويتها التي انثنت بتأثير الريح، ثابتة في وضعها الأخير. قفلت له
- لم أر مثل ذلك ابداً، يا للغرابة؟!
- وهل رأيت مثل هذا؟
قال ذلك وبسط راحة يده التي تحمل القدح.
وتوقعت أن يتحطم القدح، ولكنه حتى لم يتزحزح، إذ تعلق في الهواء للا حراك.
وقال جيبيرن مواصلاً الحديث:
- انك تعلم بالطبع أن الجسم الساقط، يقطع في الثانية الأولى مسافة 5 م. والآن يقطع القدح الأمتار الخمسة هذه في حين لم يمضي حتى الآن جزء من مائة من الثانية. وبإمكانك الآن تقدير قوة "معجلي"

ثم هبط القدح ببطء، وتلمسه جيبيرن، من كافة جوانبه.
ونظرت من النافذة، فرأيت راكب دراجة عادية، جامدا في محله، وخلفه غبار كثيف جامد، وهو يحاول اللحاق بعربة خيول صغيرة، جامدة في محلها أيضاً.

ولفتت انتباهنا حافلة لنقل الركاب، وهى جامدة تماماً كالصخرة. وكانت إطارات العجلات وقوائم الخيول، وطرف السوط، والفك السفلي للحوذي (الذي بدأ تواً بالتثاؤب).

- كلها تتحرك ولو بصورة بطيئة. أما بقية محتويات تلك الحافلة فقد جمدت تماماً. وكان الركاب الجالسون بداخلها، أشبة بالتماثيل.

وقد جمد أحد الأشخاص بالضبط في تلك اللحظة، التي بذل فيها قوة خارقة للعادة، لكي يطوي جريدته بوجه الريح. ولكن لم يكن للريح وجود بالنسبة لنا. أن كل ما قلته وفكرت فيه وفعلته، منذ اللحظة التي تغلغل فيها "المعجل" في جسمي، لم يكن إلا طرفة عين بالنسبة لبقية البشر كافة، وللكون يا جمعة".

وربما سيكون من الممتع بالنسبة للقراء، إن يطلعوا على أقل فترة زمنية يمكن قياسها بأحدث الأجهزة العلمية! لقد بلغت هذه الفترة الزمنية، في مطلع القرن العشرين، جزءاً من عشرة الآلاف من الثانية، أما الآن فيستطيع الفيزيائي في مختبره، أن يقيس زمناً يساوي جزءاً من مائة مليار (1 / 100000000000) من الثانية. أن هذه الفترة الزمنية تقل عن الثانية الواحدة، بنفس المقدار الذي تقل فيه الثانية الواحدة عن 3000 سنة.

 ملاحظة:
فيما يتعلق بذلك يجب أن نأخذ بالاعتبار، أن لجسم الساقط لا يقطع في أول جزء من مائة من الثانية الأولى، مسافة تساوي جزءاً من مائة من الخمسة أمتار، انما يقطع جزءاً من عشرة آلاف جزء منها (بموجب الصيغة م = 1 / 2 ك ن2)، أي نصف مليمتر، ويقطع في أول جزء من ألف من الثانية، مسافة 1 / 200 مم فقط).

المصدر:

  • كتاب الفيزياء المسلية (ياكوف بيريلمان)
yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 422/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
142 تصويتات / 6830 مشاهدة
نشرت فى 28 إبريل 2009 بواسطة yomgedid

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر