التساؤل : هل ختان الإناث من شعائر الإسلام وذلك لما ورد فيه من أحاديث نبوية شريفة؟
الرد : إن حكم الشريعة الإسلامية يؤخذ من مصادرها الأصلية المتفق عليها وهى :
القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، والإجماع بشروطه المقررة فى علم أصول الفقه، والقياس المستوفى لشروط الصحة.
فإذا أردنا أن نتعرف على حكم الشريعة الإسلامية فى مسأله ختان الإناث. فإننا نبحث فى القرآن الكريم ثم فى السنة النبوية ثم فى الإجماع ثم ننظر فى أمر مدى إمكان القياس:
- وقد خلا القرآن الكريم من أى نص يتضمن إشارة من قريب أو بعيد إلى ختان الإناث. وليس هناك إجماع على حكم شرعى فيه ولا قياس يمكن أن يقبل فى شأنه.
- أما السنة النبوية فإنها مصدر ظن المشروعية، لما ورد فى بعض مدوناتها من مرويات منسوبة إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى هذا الشأن. والحق أنه ليس فى هذه المرويات دليل واحد صحيح السند يجوز أن يستفاد منه حكم شرعى فى مسألة بالغة الخطورة على حياة الإنسانية كهذه المسألة.
- ولا حجة.عند أهل العلم. فى الأحاديث التى لم يصح نقلها إذ الحجة فيما صح سنده دون سواه.
الحديث الأول
وهو أشهر الأحاديث، فيه أن امرأة، كانت تسمى "أم عطية"، وكانت تقوم بختان الإناث فى المدينة المنورة، يروى أن النبى (صلى الله عليه وسلم)، قال لها:
"يا أم عطية، أشمى ولا تنهكى، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج"
وهذا الحديث رواه الحاكم والبيهقى وأبو داود بألفاظ متقاربة، وكلهم رووه بأسانيد ضعيفة. كما بين ذلك الحافظ زين الدين العراقى فى تعليقه على (إحياء علوم الدين) للغزالى (1/148).
وقد عقب أبو داود. والنص المروى عنده مختلف لفظه عن النص السابق. على هذا الحديث بقوله : "روى عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك، بمعناه وإسناده، وليس هو بالقوى، وقد روى مرسلا، ومحمد بن حسان (راوى الحديث) مجهول، وهذا الحديث ضعيف"
وعلق الإمام شمس الحق العظيم آبادى على كلام أبى داود بقوله:
"ليس الحديث بالقوى لأجل الاضطراب، ولضعف الراوى وهو محمد بن حسان الكوفى..." وتبع أبا داود (فى تجهيل محمد بن حسان) أبن عدى والبيهقى، وخالفهم الحافظ عبد الغنى بن سعيد فقال:
(هو محمد بن سعيد المصلوب على الزندقة أحد الضعفاء والمتروكين)2 وهذا الراوى (محمد بن حسان، أو محمد بن سعيد المصلوب) كذاب، قال عنه العلماء: إنه وضع أربعة آلاف حديث (أى نسبها كذبا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقال الإمام أحمد: قتله المنصور على الزندقة (أى بسبب الزندقة) وصَلَبَه.3
وقد جمع بعض المعاصرين طرق هذا الحديث، وكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة حتى قال العلامة الدكتور محمد لطفى الصباغ (أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية) فى رسالته عن ختان الإناث:
"فأنظر رعاك الله إلى هذين الإمامين الجليلين أبى داود والعراقى، وكيف حكما عليه بالضعف، ولا تلتفت إلى من صححه من المتأخرين".
ومن قبل قال شمس الدين الحق العظيم آبادى :وحديث ختان المرأة روى من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت".4
فحديث أم عطية – إذن – بكل طرقه لا خير فيه ولا حجة تستفاد منه.
الحديث الثانى:
وهو ما رُوِىَ أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال :"الختان سنة للرجال مكرمة للنساء" وقد نص الحافظ العراقى فى تعليقه على "إحياء علوم الدين" على ضعف هذا الحديث أيضاً. وسبقة إلى تضعيفه الأئمة البيهقى وأبن أبى حاتم وأبن عبد البر. وجميع طرق رواية هذا الحديث تدور على، أو تلتقى عند، الحجاج بن أرطاة وهو لا يحتج به لأنه مدلس.
وقد نص على ضعف هذا الحديث أيضا الحافظ أبن حجر فى كتابه "تلخيص الخبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير"، ونقل قول الإمام البيهقى فيه: إنه ضعيف ومنقطع. وكذلك قول أبن عبد البر فى "التمهيد لما فى الموطأ من المعانى والأسانيد" "إنه يدور على رواية راو لا يحتج به".5
وقد أورد الحافظ أبى عمر بن عبد البر فى كتابه "التمهيد لما فى الموطأ من المعانى والأسانيد" ما نصُّه: "واحتج من جعل الختان سنة بحديث أبن المليح هذا، وهو يدور على حجاج بن أرطأة" وليس ممن يُخَتُّج بما أنفرد به والذى أجمع عليه المسلمون الختان فى الرجال".6
وعلى ذلك فليس فى هذا النص حجة، لأنه نص ضعيف، مرجعه إلى راو لا يحتج بروايته، فكيف يؤخذ منه حكم شرعى بأن أمراً معيناً من السنة أو من المكرمات وأقل أحوالها أن تكون مستحبة، والاستحباب حكم شرعى لا يثبت إلا بدليل صحيح.
ولا يُرَدُّ على ذلك بأن للحديث شاهداً أو شواهد من حديث أم عطية السابقة ذكره، فإن جميع الشواهد التى أوردها بعض من ذهب إلى صحته، معلومة بعلل قادحة فيها، مانعه من الاحتجاج بها، فلا يزداد أمر ختان الإناث إلا ضعفاً على ضعف.
وعلى الفرض الجدلى أن الحديث مقبول. وهو ليس كذلك. فإنه ليس فيه تسوية بين ختان الذكور وختان الإناث فى الحكم. بل فيه التصريح بأن ختان الإناث ليس بسنة، وإنما فى مرتبة دونها (مكرمة). وكأن الإسلام. على هذا الفرض الجدلى. حين جاء وبعض العرب يختنون الإناث أراد تهذيب هذه العادة بوصف الكيفية البالغة منتهى الدقة. والرقيقة غاية الرقة بلفظ (أشمى ولا تنهكى) الذى فى الرواية الضعيفة الأولى.
ثم إن بعض الفضليات نبهتنى إلى أن حديث أم عطية. سالف الذكر. يناقض آخره أوله. ففى أوله أمر بالختان وفى آخره بيان أن بقاء بعض ذلك الجزء المأمور إزالته (اسرى للوجه وأحظى عند الزوج)! فلماذا لا يبقى أصل الخلقة كما خلقها الله تعالى فتكتمل نضارة الوجه والحظوة عند الزوج؟!
ولا تحتمل الروايتان، على الفرض الجدلى بصحتهما، تأويلاً سائغاً فوق هذا. ولو أراد النبى (صلى الله عليه وسلم) التسوية بين الرجال والنساء لقال :"إن الختان سنة للرجال والنساء" أو لقال: "الختان سنة" وسكت فإنه عندئذ يكون تشريعاً عاماً.
وبذلك يتبين صدق مقولة الإمام ابن المنذر وهو من كبار العلماء فى الفقه والحديث فى القرن الرابع الهجرى "ليس فى الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع".7
وهو ما احتج به. مقرأ له. العلامة الأستاذ الشيخ محمد رشيد رضا فى جواب سؤال نشره فى مجلة المنار.8
ويقول فى ذلك الإمام الشوكانى "ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به فهو لا حجة فيه على المطلوب لأن لفظه السنة فى لسان الشارع أعم من السنة فى إصطلاح الأصوليين... ولم يقم دليل على وجوب الختان فى الرجال والمتيقن أنه سنة ... وسائر خصال الفطرة ليست واجبة" (نيل الأوطار 1/521).
وقال العلامة الشيخ سيد سابق فى مؤلفه الذائع الصيت "فقه السنة" : "أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شئ".9
الحديث الثالث
رُوى هذا الحديث عن عبد الله بن عمر، وجاء فيه: خطاب لنساء الأنصار يأمرهن بالختان، وهو حديث ضعيف حيث يقول الشوكانى10 فى إسناد أبى نعيم. أحد مخرجيه. مندل ابن على وهو ضعيف. وفى إسناد ابن عدى. مصدر آخر للحديث. خالد بن عمرو القرشى وهو أضعف من مندل.
الحديث الرابع
فى السنة الصحيحة عن السيدة عائشة رضى الله عنها. مرفوعاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وموقوفاً على عائشة. حديث يروى بألفاظ متقاربة تفيد أنه: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" روى هذا الحديث مالك فى الموطأ، ومسلم فى صحيحه، والترمذى وابن ماجة فى سننهما، وغيرهم من أصحاب مدونات الحديث النبوى. وموضع الشاهد هنا قوله صلى الله عليه وسلم: "الختانان" إذ فيه بموضع ختان الرجل والمرأة معاً. مما قد يراه بعض الناس حجة على مشروعية ختان النساء.
وليس فى ذكر الختانين دليل من أى وجه على الأمر بختان الإناث أو مشروعيته، فإن التثنية فى اللغة العربية ترد لجمع الأمرين باسم أحدهما على سبيل التغليب، وقد ثنت العرب مستعملة اسم الأشهر من الشخصين أو الشيئين، أو الأقوى، أو الأقدر، أو الأخف نطقاً، أو الأعظم شأناً، وقد يغلبون اسم الأنثى فى هذه التسمية وقد لا يفعلون. ومن أمثلة ذلك، التى عرفها أهل العلم كافة، أنهم قالوا:
العُمران (أبو بكر وعمر)، والقمران (الشمس والقمر)، والنيران (للشمس والقمر أيضا)، وليس فى القمر نور بل انعكاس نور الشمس عليه، والعشاءان (المغرب والعشاء) والظهران (الظهر والعصر)، والأسودان (للتمر والماء) وليس للماء لون أصلاً، والعرب تغلب القوى أو الأقدر فى التثنية، عادة، ولذلك قالوا للوالدين: الأبوان (وهما أب وأم)، وقد يغلبون الأعظم شأناً كما فى قوله تعالى : "وما يستوى البحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج" (سورة فاطر: 12) فالأول نهر والثانى البحر الحقيقى ولكن أطلق البحران عند تثنية النهر والبحر وذلك لأن البحر أعظم شأناً من النهر. وقد يغلبون الأنثى فى هذه التثنية ومن ذلك قولهم المروتان يريدون جبلى الصفا والمروة فى مكة المكرمة. والأصفران (للذهب والحرير) وهذا تغليب للون الذهب الأصفر على الحرير والمعروف أن الحرير على ألوان لا تحصى، وكل ذلك مشهور معروف عند أهل العلم بلسان العرب.11
فلفظ الختانان فى هذا الحديث الصحيح لا دلالة فيه على مشروعية ختان الإناث، حيث أنه لم يرد إلا على سبيل التثنية التى تغلب الأقوى، أى الرجل على المرأة.
والحديث وارد فيما يوجب الغسل، وليس فى أمر الختان أصلاً. والحديث . بعد ذلك. مؤول عند العلماء كافة، فهم لا يوجبون الغسل بمجرد التقاء الختانين، وإنما بالإيلاج. فإذا ترك المعنى الحرفى للفظ الحديث. أى لمنطوقه. فكيف يقبل القول بمفهومه؟ !
الحديث الخامس:
أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذى والنسائى وأحمد ومالك فى الموطأ عن أبى هريرة رضى الله عنه . قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :"الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الأبط" وعن السيدة عائشة. رضى الله عنها وغيرها من الصحابة. فى خصال الفطرة أنها عشر خصال، منها قص الشارب، وإعفاء اللحية.
إن هذا الحديث الصحيح لا حجة فيه على ختان الإناث، حيث أن قص الشارب وإعفاء اللحية خاص بالذكور دون الإناث، وأصل الحديث فى شان الفطرة هو ما رواه مالك فى الموطأ عن يحيى بن سعيد أن إبراهيم عليه السلام كان أول من اختن، وعلى هذا إجماع العلماء، كما نقله ابن عبد البر فى التمهيد، وقال :إنه من مؤكدات سنن المرسلين لتى لا يسع تركها فى الرجال وهو نفسه الذى أنكر صحة ختان الإناث، كما أسلفنا.
فلا يجوز أن يقال إن ختان الإناث من أمور الفطرة أو من خصالها وفقاً لما جاء فى بعض الأحاديث، ذلك أن الختان الذى يعد من قبيل خصال الفطرة إنما هو ختان الذكور، وهو الذى يسمى ختاناً فى اللغة وفى إصطلاح الفقهاء، أما ختان الإناث فإنه يسمى ختاناً على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة، وإن حقيقة مسماه أنه (خفاض).
ويؤكد ما سلف، من عدم مشروعية ختان الإناث، أنه لا يوجد أى دليل على أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد ختن بناته أو زوجاته، فلو كان ختان الإناث من شعائر الإسلام. أو شعاره. لكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أول من طبقة على بناته وزوجاته.
وهكذا يتبين أن السنة الصحيحة لا حجة فيها على مشروعية ختان الأنثى. وأن ما يحتج به من أحاديث الختان للإناث كلها ضعيفة لا يستفاد منها حكم شرعى. وأن الأمر لا يعدو أن يكون عادة من العادات، ترك الإسلام للزمن ولتقدم العلم الطبى أو تهذيبها وإبطالها.
ساحة النقاش