إعداد: د. عبد الرحيم عمران - د. غادة الحافظ
يروج الإعلام الغربي - من أفلام وأغاني وفيديو ومجلات وأدب وشعر وروايات - نموذجًا للمراهقين غريبًا عما نألفه في بلادنا وعن قيمها؛ فهو يرسم صورة المراهق على أنه قد تعدى مرحلة الطفولة ودخل في عالم البالغين أو يكاد، وهذا يرخص له الاستقلال الشخصي، والثورة على القيود، والانطلاق في العلاقات والممارسات التي تليق بالدور الجديد، ومن ذلك الرقص وممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، وشرب الخمور والمخدرات والعنف، ويقدم ذلك على أنه تصرف طبيعي ومتوقع من الشباب في كل مكان، وقد تسلل هذا اللون من الانطباعات والممارسات إلى منطقتنا، ليس فقط من الأفلام الأجنبية والإعلام المستورد، ولكن كذلك عن طريق التقليد الأعمى للغرب - وهوليوود بالذات- في الأفلام المنتجة محليًا؛ فمنذ الخمسينات والستينات حينما كانت مجتمعات المنطقة أكثر محافظة عنها اليوم، أخذت الخمر والرقص والمخدرات تغزو الأفلام المحلية، وأصبحت الخمر بالذات تصور على أنها مخرج من الأزمات والمشاكل، أو سبيل من سبل الترفيه، أو مظهر من مظاهر الطبقة الراقية، وازداد هذا الاتجاه الهابط اتساعًا فدخل إلى الجمهور الشعبي في الأفلام والقصص، ومع دخول التليفزيون والأطباق الفضائية إلى البيوت المحافظة وغير المحافظة، أصبح المراهق يشاهد هذه الممارسات في فيلم من بعد فيلم، وحلقة من بعد حلقة، وأغنية من بعد أغنية، ويشاهد مشهدًا جنسيًا من بعد مشهد. وأصبح هذا التيار يشده إلى السلوك الغربي، وبدأت مقاومته تضعف أو هي في طريقها إلى الضعف، ما لم تأخذ المجتمعات السوية في المنطقة بيد المراهقين والمراهقات الذين يمثلون مستقبل الأمة.
ومن المغالطات الرخيصة أن المروجين لهذا التيار يشيعون أن الخمر لم تحرم تحريمًا قاطعًا في القرآن، وأن تحريمها قاصر على الدخول في الصلاة والإنسان لا يزال تحت تأثير الخمر، وأن للخمر منافع لا تنكر، وأن الحشيش والمخدرات الأخرى لها منافع في تسكين الألم وترويح النفس، ويستعملها الأطباء في ذلك، بينما لم يصدر بشأنها نص قاطع بالتحريم لا في القرآن، ولا في السنة. ومرد هذا الزعم إلى الجهل الفاضح بتعاليم الإسلام أو إلى التجاهل بقصد زعزعة الإيمان بحرمة الخمر والمخدرات.
فقد جاء النهي عن شرب الخمر في القرآن الكريم بلفظ"التحريم" في قوله عز وجل " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" [سورة البقرة: 219]، مع قوله سبحانه " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" [سورة الأعراف: 33]، ثم نزل قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ" [سورة المائدة:90-91]، وليس يخفي أن الاجتناب هو أعلى درجات التحريم، فقد استعمل القرآن الكريم لفظ "الاجتناب" في تحريم الشرك بالله، والرجس من الأوثان، وقول الزور، وكبائر الإثم والفواحش.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم معنى الاجتناب وأنه أعم وأوسع من مجرد التحريم؛ بقوله: " لعن الله الخمرَ، وشاربَها، وساقيهَا، وبائعهَا، ومُبْتَاعها، وعاصِرَها، ومُعتَصِرهَا، وحامِلَها، والمحْمُولَةَ له" [رواه أبو داود وابن ماجة عن ابن عمر].
وقد ورد في السنة الشريفة، الكثير من الأحاديث التي تنص على التحريم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ" [رواه مسلم وأبو داود عن عائشة]، وقال:" كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " [رواه مسلم وابن ماجة عن عمر]، وقال: " إِنَّ الْخَمْرَ مِنَ الْعَصِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ" [رواه أبو داود عن النعمان بن بشير]، وقال: "لا تشرب الخمر، فإنها مفتاح كل شر" [رواه ابن ماجه عن أبي الدرداء]، وقال: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام" [رواه ابن ماجه عن ابن عمر].
المصدر:
- سلسلة التثقيف الصحي للمراهقين/ المجلس القومي للأمومة والطفولة.
ساحة النقاش