بعد أن توفي رسول الله"صلى الله عليه وسلم"، اهتم ابن عباس- رضي الله عنه- بسؤال الصحابة عن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكلما علم أن رجلا يعرف حديثًا للرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إليه، فإذا وجده نائمًا وقت الظهيرة جلس على بابه، وانتظره حتى يستيقظ، فتكسوه ريح الصحراء بالتراب.
وعندما يخرج الصحابي إلى ابن عباس، يقول له: يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك. فيقول: لا، أنا أحق أن آتيك، فأسألك عن الحديث.}الحاكم{.
ثواب العلم يصل إلي صاحبه حتى بعد وفاته من غير انقطاع، قال صلى الله عليه وسلم ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).}مسلم{.
والملائكة تحف طالب العلم بأجنحتها،قال صلى الله عليه وسلم : "إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها"}أحمد{.
والعلم ينقسم إلي نوعين:
الأول: ما يجب على كل إنسان أن يعلمه عن ربه ودينه ونبيه.
الثاني: ما يجب على المسلمين سده في التخصص العلمي كالصناعة والزراعة والطب... وغيرها من فروع الحياة.
ولطلب العلم سلوكيات، منها:
1- الإخلاص:
على المتعلم أن يخلص النية لله تعالي، قال صلى الله عليه وسلم : إن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة: "رجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرَّفه الله نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟
قال: تعلمت العلم وعلَّمته، وقرأت فيك القرآن. قال الله له: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالِم.
وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ. فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار"}مسلم{.
2- طلب العلم النافع:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:"اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع،.."أحمد وابن حبان والحاكم{.
قال الشاعر:
ما أكثر العلم وما أوسعه .. من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كـنـت لابد لـه طـالـبًـا .. محـاولا فـالـتمس أنفعه
3- المداومة على طلب العلم:
فقد قيل: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وقيل: اطلبوا العلم من المهد إلي اللحد (الموت).
وقال الشاعر:
كلما أدبني الدهر .. أراني نقص عقلي
وكلما ازددت علما .. زادني علما بجهلي
4- طلب العلم في الصغر:
قيل: طلب العلم في الصغر كالنقش علي الحجر. ولا يستحي الكبير من طلب العلم، فقد أتي قبيصة بن المخارق- رضي الله عنه- النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له صلى الله عليه وسلم :" ما جاء بك؟". قال: كبرت سني ورق عظمي، فأتيتك لتعلمني ما ينفعني الله به. قال:" ما مررت بحجر ولا شجر ولا مدر إلا استغفر لك يا قبيصة، إذا صليت الصبح، فقل ثلاثا: سبحان الله العظيم وبحمده، تعافي من العمى والجذام والفالج(نوع من الشلل). يا قبيصة، قل: اللهم إني أسالك مما عندك، وأفض علي من فضلك، وانشر علي من رحمتك، وأنزل علي من بركتك" (أحمد).
5- العمل لا يمنع العلم:
كان كثير من الصحابة يعملون، فإذا ما رجعوا من أعمالهم سعوا في طلب العلم بقية يومهم، وسهروا على طلب العلم من القرآن والحديث.
6- الصبر والتحمل:
المسلم يتحلى بالصبر علي طلب العلم، فقد قيل: ومن لم يذق مر التعلم ساعة تجرَّع ذل الجهل طول حياته. ومن فاته التعليم وقت شبابه فكبِّر عليه أربعا لو فاته
التدرج في طلب العلم:
المتعلم يبدأ بالأوليات ومقدمات العلوم قبل أن يغوص فيها، ومعرفة ذلك ترجع إلى توجيهات المعلمين.
وكذلك يحرص على أن يتعرف علي سائر العلوم، وألا يترك نوعًا منها.
7- التخصص:
إذا رغب المسلم في التخصص في علم واحد؛ فيجب عليه أن يتخير من العلم أشرفه، وأنفعه، وما يوافق ميوله وقدراته. وقد قيل:إذا أردت أن تكون عالمًا فاعرف كل شيء عن شيء، وإذا أردت أن تكون مثقفًا فاعرف شيئًا عن كل شيء.
8- التدوين:
كان الأمام أحمد بن حنبل- رحمة الله- يقول: مع المحبرة إلى المقبرة. وهذا يؤكد مدى ارتباطه بالتدوين، وحبه له. وقد قيل: العلم صيد والكتابة قيد.
المذاكرة والمراجعة:
قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: تعلموا العلم، فعن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهلة قربة.
9- عدم الحياء في العلم:
قال تعالي: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) "النحل:43".
وتقول السيدة عائشة- رضي الله عنها-: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
10- السعي في طلب العلم:
قال جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: بلغني عن رجل حديث سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتريت بعيرا لأسافر إليه، فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام، فوجدته عبد الله بن أنيس- رضي الله عنه-، فقلت للبواب: قل له: جابر علي الباب. فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم. فخرج يطأ ثوبه(مسرعا)، فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص؛ فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه، فذكر له عبد الله بن أنيس الحديث. (أحمد والطبراني).
وقال ابن مسعود: لو أعلم أحدا تبلغنيه الإبل هو أعلم بما نزل علي محمد صلى الله عليه وسلم لقصدته حتى أزداد علما إلي علمي. (ابن عساكر).
11- العمل بالعلم:
فقد ذم الله- سبحانه- أناسًا لا يعملون بعلمهم، وشبههم بالحمير التي تحمل الكتب، ولا تفهم ما فيها.
قال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا) "الجمعة: 5".
وقال صلى الله عليه وسلم : "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه" (للترمذي).
12- احترام المعلم:
المعلم له فضل كبير علي تلامذته، قال أحمد شوقي:
قم للمعلم وفهِ التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أفضل أو أجل من الذي .. يبني وينشئ أنفسا وعقولا
13- الإنصات:
قال الحسن بن علي لابنه: يا بني، إذا جالست العلماء، فكن علي أن تسمع أحرص منك علي أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت.
ويجب أن يكون السؤال بقصد الفهم والإدراك، لا بقصد الجدل أو التعجيز.
14- التأدب في مجلس العلم:
المسلم يجلس إلي معلمه في أدب ووقار، ولا كثر من التلفت والإشارة والضحك، ويراعي حسن المظهر والنظافة، وعدم التحدث أو السؤال إلا بعد الاستئذان، وعدم تحقير الزملاء أو السخرية منهم، بل يعلم أنهم إخوته في العلم؛ فيرحمهم ويحترمهم. ومن الأشياء التي تساعد طالب العلم.. ترتيب الكتب وتنظيمها، وإعطاء النفس حقها من الراحة، ويجب تخير الوقت المناسب للمذاكرة، وتوزيع وقت المذاكرة علي جميع العلوم.
ساحة النقاش