لا تزال مسألة تدخين الأم وتأثير ذلك على الجنين محل دراسات إلا أن المؤكد أن لها من الآثار السلبية ما يهدد حياة الأم والمولود وقد يستمر على مدار حياتهما معا فقد اتضح أن المواليد لأمهات مدخنات يكونون أكثر عصبية وأقل استجابة لمحاولات التهدئة. كما أن هؤلاء المواليد يكن أكثر عرضة للموت المفاجئ كأطفال رضع بثلاث مرات من الأطفال لأمهات غير مدخنات. تحاول أكثر النساء المدخنات التوقف عن التدخين عند حدوث الحمل, ولكن أكثرهن يفشلن في ذلك. من المؤكد أنه حتى إذا لم تستطع الأم الإقلاع في الشهور الأولى للحمل فإن التوقف عن التدخين فيما بعد يمكن أن يتدارك المخاطر المترتبة على الاستمرار. ولا تتوقف خطورة التدخين على الأم فقط بل تمتد إلى إحداث مضاعفات خطيرة على الحمل والمولود وخصوبة الرجل أيضا.
وفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية فإن 20 في المئة من السيدات تدخّن في الولايات المتحدة ونسبة مماثلة في دول العالم الصناعية و9 في المئة من سيدات الدول النامية وكثير من هذه السيدات لا يتوقفن عن التدخين أثناء الحمل.
وقد قدرت الإحصاءات في الولايات المتحدة أن إقلاع السيدات عن التدخين أثناء الحمل قد يؤدي إلى انخفاض معدلات ولادة جنين ميت بـ 11 في المئة واحتمالات وفاة المولود بنسبة 5 في المئة. ووفقا لإحصاءات وكالة الصحة العامة الأميركية فإن 11 في المئة من السيدات في الولايات المتحدة لا يتوقفن عن التدخين خلال فترة الحمل.
هل يؤثر التدخين على الإخصاب؟
قد لا تواجه بعض السيدات المدخنات أي مشاكل في الخصوبة بل على العكس فبعضهن لديهن القدرة على الحمل حتى بداية الأربعينات, الأمر الذي يجعلهن يهملن ما سبق ذكره... لهؤلاء نوّد التحذير بأنه على إثر دراسة قام بها الدكتور ( جوناثان نيللي) على فئران المختبر تبيّن أن المادة السامة (Polycyclic Aromatic Hydrocarbons) التي يحتويها التبغ تعمل على قتل البويضات في مراحل النضوج الأولى لدى أجنة الفئران, كما قام بدراسة تبين خلالها أن أطوار نمو البويضة لدى الفئران هي نفسها لدى أنثى الإنسان وبناء عليه كان هناك دليل واضح على تأثر الأجنة الإناث بالمواد السامة التي يحتويها التبغ من الأمهات المدخنات, فتولد الإناث بعدد أقل من البويضات المختزنة, وبالتالي يكن أكثر عرضة لبلوغ سن اليأس في عمر مبكرة حتى وإن لم يكن أنفسهن مدخنات. قد تتسبب السجائر في مشاكل حتى قبل الحمل فقد ثبت أن السيدات اللواتي يدخّن يعانين من مشاكل في الإخصاب أكثر من غير المدخنات إلا أن قابلية الإخصاب تعود إلى طبيعتها بالإقلاع عن التدخين.
الـتأثير المثبت لتدخين الحامل على الجنين حتى الآن هي ازدياد احتمال الإسقاط العفوي, خاصة عند تدخين أكثر من 20 سيجارة في اليوم بسبب ضعف التروية في الرحم مما يضعف تعشيش البويضة الملقحة بسبب التدخين. كما أثبتت دراسات حديثة أن التدخين يمكن أن يسبب ضعف الإباضة عن النساء المدخنات بسبب تأثير النيكوتين, وبالتالي قد يؤخر حدوث الحمل كما يؤثر على الدورة الطمثية فتكون أقصر وقد يسبب التدخين حصول الحمل خارج الرحم بسبب إضعاف النيكوتين لحركة الأنابيب والأعضاء التناسلية للمرأة.
هل يتسبب التدخين في ظهور مضاعفات لدى الحوامل؟
بالتأكيد حيث ارتبط التدخين بالعديد من مشاكل ومضاعفات الحمل خاصة فيما يعرف بالمشيمة وهي عبارة عن عضو دائري مسطح الشكل يتصل بالجنين عن طريق الحبل السري في الرحم من أجل إمداده بالأوكسجين والغذاء وخروج الفضلات وثاني أكسيد الكربون، ويتم خروج المشيمة من جسم الأم بعد الولادة مباشرة. وقد سجل ارتفاع في حالات انفصال المشيمة وانقطاعها الأمر الذي يؤدي إلى حدوث نزيف حاد خلال الولادة مما يهدد حياة الأم والمولود وتزيد من احتمالات ولادة طفل ميت.
كما يزيد التدخين من احتمالات التمزق المبكر للغشاء الأمنيوسي وهي الغشاء الذي يحافظ على الجنين والذي يتمزق إيذانا للولادة. وتعاني الأم في حالة التمزق المبكر للغشاء الأمينوسي من سيلان مياه الرحم مما يترتب عليها إجراء ولادة مبكرة لإنقاذ الجنين والذي يخرج غير مكتمل النمو.
كيف يؤثر التدخين على المواليد؟
يزيد التدخين من احتمالات ولادة أطفال ناقصي الوزن سبب ذلك هو مرور أول أوكسيد الكربون الذي ينجم عن تدخين الأم ومرور هذه المادة إلى دم الجنين, مما يعرض المشيمة والجنين لنقص الأكسجة المزمن. وفي مقارنة أجريت العام 2002 ثبت أن المواليد لأمهات مدخنات كانوا أقل في الوزن من مواليد غير المدخنات بما يصل إلى 2,5 كيلوجرام. ويقلل التدخين من نمو الأجنة كما تشير دراسات إلى أن التدخين يزيد من احتمالات الولادة المبكرة. وتشكل الولادة المبكرة ونقص الوزن تهديدا كبيرا بالنسبة للمولود, و يتعرض الطفل ناقص وزن الولادة فيما بعد لمشاكل صحية  كثيرة, أهمها نقص الكالسيوم وتقص السكر والحديد. ويجعله عرضة لأمراض قد تستمر معه العمر كله مثل شلل المخ والتخلف العقلي ومشاكل التعليم والموت بسبب التأثير المباشر على المضغة.
وكلما زادت شراهة الأم في التدخين كلما شكل ذلك تهديدا أكبر على حياة الجنين إلا أنه حتى إذا لم تستطع الأم الإقلاع خلال أول ستة أشهر من الحمل فإن توقفها في الثلاثة أشهر الأخيرة قد يسرع من نمو الجنين.
هل يؤثر التدخين السلبي على المولود؟
نعم يؤثر ويقصد بالتدخين السلبي أن تتعرض الحامل للدخان من قبل أشخاص يدخنون حولها خاصة الزوج، دون أن تدخن هي بنفسها، و قد ثبت التأثير السلبي للتدخين السلبي على الجنين بنفس مقدار التدخين العادي.
تشير الدراسات إلى أن مواليد الأمهات اللواتي تعرضن للتدخين السلبي بصفة متكررة خلال فترة الحمل كانوا أقل وزنا وأضعف نموا لذا فقد جرى النصح بعدم التعرض للتدخين السلبي بتاتا خلال فترة الحمل.
وللتدخين السلبي الكثير من الآثار الضارة على صحة الطفل حيث يتسبب في أمراض الجهاز التنفسي والتهاب الأذن والنزلات الشعبية في الكثير من المواليد في السنوات الأولى. كما أن المواليد الذين يتعرضون لتدخين الأبوين السلبي تزيد احتمالات الموت المفاجئ. من المهم أن تقلع الأم عن التدخين تماما قبل وخلال وبعد الحمل كما يقتضي الأمر إقلاع الأب أيضا عن التدخين منعا للآثار المترتبة على التدخين السلبي وينطبق الأمر على الأقارب والزوار أيضا.
كما يعتبر التدخين عامل من العوامل المؤثرة في تأخير الإنجاب وإن لم يكن سببا مباشرا للعقم, بسبب ما يحتويه من مواد سامة تلعب دورا غير مباشر على الخصوبة والقدرة على الإنجاب وبلوغ المرأة سن اليأس (Menopause) في سن مبكرة. وقد أجريت دراسات إحصائية كثيرة على هذا الصعيد كان من نتائجها أن النساء المدخنات يبلغن سن اليأس في وقت أبكر من غير المدخنات وأن السيدات اللواتي يدخن منذ سن مبكرة ( قبل عمر 18 سنة ) هنّ عرضة لبلوغ سن اليأس قبل الأربعين بثلاث أضعاف غير المدخنات. كما أن الأجنة الإناث للأمهات المدخنات تتأثر سلبيا من حيث الخصوبة وبلوغ سن اليأس المبكر بنفس الطريقة.
هناك أبحاث كثيرة أثبتت أن فرص نجاح عملية أطفال الأنابيب للمدخنات هي نصف النسبة لدى غير المدخنات وقد أثبتت الأبحاث بأن المواد السامة التي يحتويها التبغ وخلاصته مثل  Nicotine و Anabasine تؤثر على هرمون الاستروجين بالتأثير على تصنيعه وإنتاجه أو بالتأثير على نتائجه لتكون أقل فاعليّة  كما أن تلك المكونات السامة تؤثر على قابلية البويضة للتلقيح بحيث تقللها ومن جهة أخرى فإنها تؤدي إلى ارتفاع هرمون  FSH والذي يؤدي ارتفاعه قبل البدء ببرنامج التنشيط لعملية أطفال الأنابيب إلى فشل العملية, وتلخص هذه الأبحاث بالآتي :-
- تأثير النيكوتين على نضوج البويضة والقدرة على حدوث التلقيح وذلك بسبب حدوث اختلالات كروموسومية في البويضة نفسها.
-  التأثير على عدد الحويصلات المنشطة والتي تكون أقل لدى المدخنات.
- عدد البويضات المستخلصة من الحويصلات بعد عملية السحب كذلك تكون أقل.
- إمكانية تلقيح البويضات أضعف.
-  المدخنات لديهن احتمالية أعلى لإجهاض الحمل بعد حدوثه من غير المدخنات.
كل ذلك بالإضافة إلى ما ذكرنا من ارتفاع هرمون FSH ونقصان هرمون Estradiol واختصار ما ذكر هو أن استجابة المدخنة لتحريض الإباضة تكون أقل, وقابلية البويضة للتلقيح أضعف بالإضافة إلى فرصة ثبات الحمل تكون أضعف كذلك  للتدخين أثر على قنوات فالوب بتأثيره على الأهداب وبالتالي تأثيره على قدرة القنوات للقيام بوظائفها في نقل البويضة سواء الملقحة أو غير الملقحة.
تؤثر المواد السامة على إفرازات عنق الرحم, بحيث تستقر خلاصة التبغ في هذه الإفرازات الأمر الذي يؤثر على الحيوانات المنوية, نستنتج من كل ما سبق ذكره أن التدخين يؤثر على خصوبة المرأة ويجعلها عرضة للعقم لتأثيره على عنق الرحم, قنوات فالوب, الاتزان الهرموني, وكذلك عجز المبايض المبكر, وفرصة أضعف لنجاح عمليات أطفال الأنابيب.
ما هو تأثير التبغ على الزوج وخصوبته ؟
أما بالنسبة لتأثير التدخين على خصوبة الرجل فقد أجريت أبحاث عديدة على السائل المنوي لرجال مدخنين وغير مدخنين أثبتت التأثير العكسي للمواد السامة في التبغ على الحيوانات المنوية وبالتالي الخصوبة.
فقد أثبتت الدراسات على الحيوان والإنسان معا أن التدخين وإن كان في المعدل المتوسط يؤثر على عملية إنتاج الحيوانات المنوية والمقاسة بعدد الحيوانات المنوية في السائل المنوي, حيث وجد أن العدد لدى المدخنين أقل من غير المدخنين بما معدله (13 - 17 في المئة) إلا أن هذا التناقض يمكن تفاديه في حال التوقف عن التدخين. وعندما نركز الحديث على عدد الحيوانات المنوية فإننا لا نهدف فقط لرفع فرص الحمل بزيادة خصوبة الرجل وإنما كذلك تقليل فرص الإجهاضات والمشاكل المصاحبة للمواليد.
أما عن الأشكال الطبيعية في الحيوانات المنوية فإن نسبة الأشكال غير الطبيعية لدى المدخنين تفوق نظيرتها لدى غير المدخنين وخصوصا تشوهات الرأس هذا إلى جانب التأثير على قدرة الحيوانات المنوية على نوعية الحيوانات المنوية وحركتها وعددها وقدرتها على اختراق البويضة ويزيد من احتمال تجزؤ الـ DNA فيها. كما وجد زيادة في عدد الكريات الحمراء والبيضاء في السائل المنوي والتي توحي بالتهابات المجاري التناسلية التي بدورها تؤثر على نقل الحيوانات المنوية في الأنابيب الناقلة.
كل هذه الأمور من مضار التدخين والتأثيرات السلبية المترتبة على التدخين بالنسبة للأم والمولود والإخصاب تجعل من الضروري أخذ حملات الإقلاع عن التدخين محمل الجد... بل وتجعلها مسؤولية على عاتق جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وليست مسؤولية المؤسسات الطبية فقط والأخذ بعين الاعتبار العوامل المساعدة للمرأة والرجل في الإقلاع عن التدخين من دعم الأقارب والأصدقاء.

المصدر: زهرة خليفة - استشارية طب العائلة وعضو اللجنة الوطنية للتدخين - صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2765 - الجمعة 02 أبريل 2010م الموافق 17 ربيع الثاني 1431هـ
yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1570 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر