حققت الشبكات الاجتماعية انتشارا كبيرا وأصبحت من الأجزاء الأساسية للحياة الرقمية، لدرجة أنه ليس من البعيد أن تدرس أسس هذه الشبكات بالجامعات في تخصصات علوم الكومبيوتر، مثل كيفية تسريع العمل مع ملايين المشتركين في آن واحد، وإجراء الإحصاءات السريعة، وتوزيع الحمل على أكثر من جهاز خادم، وحتى كيفية الربط بين مستخدمي الشبكة الذين لا يعرف بعضهم بعضا. وتجرى أبحاث حول الآلية الصحيحة لفهم علاقات المستخدمين وربطهم بشكل آلي، الأمر الذي يحير العلماء، نظرا لعدم سهولة فهم العلاقات الاجتماعية وتفسيرها بشكل تجريدي مفهوم للكومبيوتر.
وعندما أطلقت «غوغل» شبكة «باز» (Buzz) الاجتماعية بداية العام الحالي، قامت الشبكة بربط المستخدمين بعضهم ببعض بشكل آلي وفقا لـ«خوارزميات» (منهجيات برمجية) مرتبطة بنوعية التواصل بين المستخدمين وفقا لبريد «جي ميل»، وخدمات أخرى. ولم يتفق الكثير من المستخدمين مع هذه الطريقة، واعتبروا أن شروط الربط المستخدمة ليست بالضرورة صحيحة أو تعبر عن طبيعة علاقاتهم مع المستخدمين الذين أضيفوا إلى شبكاتهم، الأمر الذي غيرته «غوغل» لتصبح الشبكة أقل آلية، وتنصاع لتحكم المستخدمين وقوانينهم.وليست «غوغل» الوحيدة التي تبحث في هذا المجال، إذ إن الكثير من الشركات مهتمة بجعل علاقات مشتركي شبكاتها آلية ووفقا لعادات التراسل بينهم، سواء عبر البريد الإلكتروني أو داخل الشبكة نفسها. ويقدم قسم «لوتس» (Lotus) التابع لشركة «آي بي إم» منتج «أطلس» (Atlas) الذي يوجد المعلومات الاجتماعية وفقا لتراسل موظفي الشركات بين بعضهم بعضا، وتبحث «مايكروسوفت» في استخدام هذا النوع من المعلومات لترتيب أهمية البريد الإلكتروني الوارد إلى صناديق المستخدمين، وذلك لعرض البريد الأكثر أهمية على رأس القائمة، وبالتالي تسريع الرد على رسالة العمل الأكثر أهمية.
وتظهر الأبحاث وجود الكثير من المشكلات والعقبات أمام هذه الآلية قبل أن تنتشر وتصبح أمرا بديهيا في المستقبل القريب، نظرا لأن تحليل معلومات نمط التواصل بين المستخدمين يخضع لعوامل بشرية معقدة جدا، لدرجة أن تمثيلها بشكل دقيق قد يكون أمرا شبه مستحيل، حتى على أكبر الشركات البرمجية وأكثرها إبداعا.
ويقول باحثون في «ياهو» في موضوع طرحوه مؤخرا في مؤتمر «دبليو دبليو دبليو 2010» (WWW2010) إنه يجب وضع تعريف صحيح لشروط ربط مستخدم مع آخر، قبل أن تصبح عملية الربط صحيحة ودقيقة. فهل تراسل مستخدمين مرة واحدة عبر البريد الإلكتروني يعني أنهما صديقان؟ أم هل يجب أن يكون العدد 10 مرات، أم غير ذلك؟ وتخضع العلاقات البشرية لعوامل مختلفة ومعقدة، مثل أن من الممكن أن يتراسل مجموعة من المستخدمين بشكل قليل، ولكنهم قد يكونون أصدقاء، مثل حالة مشتركي الخدمات الإخبارية الاجتماعية، أو قد يتراسلون بشكل متكرر ولكنهم ليسوا أصدقاء، مثل تراسل شركة ما مع عميل لها حول مشروع ما. وحتى لو تراسل مستخدمان بشكل متكرر، فليس من الضروري أن يمثل ذلك علاقة إيجابية بينهما، إذ قد تكون المراسلات عبارة عن شجار حاد، الأمر الذي يعني أنهما ليسا صديقين ولا يريدان التواصل عبر الشبكات الاجتماعية.
ولا يجب اعتبار العلاقات البشرية مجرد ارتباط مستخدمين بعلاقة ما أم لا، من دون دراسة المنطقة بين ذلك، إذ من الممكن أن يكون المستخدمان في مرحلة التعارف أو الانفصال، مثل تعرف مستخدم على آخر عبر صديق مشترك في مناسبة ما، أو عدم رغبة مستخدمين الاستمرار في صداقتهما. وإن حاولت «الخوارزميات» الجديدة ربط المستخدمين بعضهم ببعض، وفقا لعامل وجود عدد كبير من الأصدقاء المشتركين بينهما، فإن ذلك قد يصلح في الكثير من الأحيان، ولكنه خاطئ في بعض الحالات الأخرى، مثل دخول طالبين جامعيين اشتركا في الغرفة نفسها في جدل كبير أدى إلى انفصالهما وعدم تحدث الواحد مع الآخر، ولكنهما يشتركان في الكثير من الأصدقاء، أو حالة حدوث طلاق بين مستخدمين كانا يتواصلان بشكل يومي لفترات طويلة ولديهما الكثير من الأصدقاء المشتركين، ويجب عليهما التواصل في بعض الأمور المتعلقة بالأطفال أو المسائل القانونية الأخرى، ولكنهما ليسا أصدقاء ولا يريدان معرفة خصوصيات بعضهما بعضا. فهل يجب على النظام الآلي اعتبارهما كأصدقاء أم أنهما مرتبطان بطريقة ما؟ سؤال صعب، والإجابة عنه أصعب، وتلقين الإجابة للكومبيوتر على شكل «خوارزمية» هو أمر أكثر صعوبة. وعلى الرغم من أن من الممكن تطوير «الخوارزميات» وجعلها أكثر دقة، إلا أن مجال الخطأ سيكون دائما موجودا، نظرا لأن المعلومات المتوفرة ليست كافية لتقديم صورة كاملة وواضحة لنمط العلاقة، مثل عدم تراسل مستخدمين إلا في حالات نادرة، ولكنهما يتحدثان معا الهاتف بشكل مستمر. وإن أخذنا عامل الزمن في التواصل كعامل أساسي لتحديد طبيعة العلاقة، وافتراض أنه إن تواصل مستخدمان لفترة ما ومن ثم توقفا، واعتبار أن ذلك يعني أنهما ليسا صديقين مؤخرا، فإن الافتراض صحيح في بعض الحالات، وخاطئ في حالات أخرى، حيث من الممكن أن يتواصل المستخدمان لفترة ما، ويتوقفا عن ذلك نظرا لانشغال أحدهما، أو سفره، أو دخوله المستشفى لفترة طويلة، وغير ذلك من الأسباب التي تعوق التواصل بين الأفراد، ولكنها لا تعني أن الارتباط قد زال. ويجب على «الخوارزميات» فحص المزيد من العوامل التي قد لا تكون متوفرة في الشبكة نفسها، التي قد تحصل عليها من أطراف أخرى، وبالتالي بروز نوع جديد من الشركات التي تجمع المعلومات من المصادر المختلفة وتحللها لفهم طبيعة العلاقات بين مستخدميها، ومن ثم تبيع هذه «العلاقات» إلى شبكات جديدة. وليس من البعيد افتراض ترك المستخدمين لشبكة «فيس بوك» (على الرغم من أن الكثير من المستخدمين يرفضون هذه الفكرة الآن) وهجرتهم إلى شبكة اجتماعية جديدة موحدة، هي عبارة عن اتحاد معلومات الكثير من شركات البريد الإلكتروني، والشبكات الاجتماعية، والمتاجر الإلكترونية، والمصارف، وشركات الإعلانات، والفنادق، ومكاتب السياحة والسفر، وشركات الطيران، وحتى المدارس والجامعات الخاصة، وغيرها من الأطراف التي تسعى إلى كسب المال.
ويجب إجراء المزيد من الأبحاث حول هذه المسألة، مع مشاركة علماء الاجتماع والسلوك، وحتى علماء النفس، وذلك لفهم طبيعة العلاقات البشرية وتحويلها إلى عوامل يمكن تفسيرها والتنبؤ بطبيعتها بشكل تجريدي بحت. ومن المتوقع أن تبدأ الشركات تحليل محتوى التراسل بشكل دقيق، الأمر الذي يشكل عائقا مهما جدا من وجهة نظر المستخدم، هو الحفاظ على خصوصية الرسائل وعدم كشفها لأي طرف، ناهيك عن المشكلات القانونية التي قد تنجم عن ذلك لدى تحليل محتوى رسائل موظفي ومديري الشركات. وليس من الضروري أن يكون التحليل مرتبطا بالشبكات الاجتماعية التي نعرفها اليوم، بل قد ينجم عنه إنتاج نوع جديد من الشبكات الاجتماعية، مثل الشبكات الإخبارية، أو شبكات تواصل العملاء والشركات، أو حتى شبكات المساعدة في الدعم الفني أو تأليف الموسيقى، مثلا. ولا يجب افتراض أن الشبكات الاجتماعية الآلية ستوجد العلاقات بشكل صحيح في جميع الحالات، إذ من الممكن جدا السماح للمستخدم بالتدخل وتصحيح علاقة افترضها النظام من تلقاء نفسه، الأمر الذي سيجعل النظام يتعلم من الأخطاء التي يرتكبها، لتصبح الشبكات الاجتماعية «ذكية»، وتفهم علاقات المستخدمين من السياق.
ساحة النقاش