"    ليس ثمة شك في أنه في الوقت الذي تكشف فيه الآثار الاقتصادية للعولمة عن كثير من مظاهر النمو والتقدم، فإن مثل ذلك التقدم لم يتحقق في مجال التنمية الاجتماعية.
فلقد ارتبط النمو الاقتصادي بزيادة الفقر في كثير من مجتمعات العالم الثالث على وجه الخصوص، واتساع الفوارق بين شرائح المجتمع واختفاء البعد الإنساني من السياسة الاقتصادية والمالية، الأمر الذي يتطلب ضرورة إعادة النظر في تلك السياسات بما يكفل الحد من الفقر وتوفير الرعاية والخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية لتلك الشعوب ودمج الفئات والجماعات المهمشة في نسيج الحياة الاجتماعية والسياسية والعمل على رفع مستوى مقومات رأس المال الاجتماعي لمواجهة المستقبل المتغير وأوضاعه المعقدة".

"          وربما كان التعليم هو الوسيلة الناجحة لإرساء قواعد وأسس رأس المال الاجتماعي وتنميته، وإن كان ذلك يحتاج إلى بذل جهود كثيرة لتحقيق التطوير المطلوب سواء عن طريق دراسة النظم التعليمية في الدول الأخرى واقتباس ما يصلح منها، أو العمل على تشعيب التعليم وتنويع برامجه وتوجهاته بحيث يغطي مجالات نظرية وعملية وفنية ومهنية متعددة ولكنها ذات صلة قوية ومباشرة بواقع الحياة اليومية كما تأخذ في الاعتبار متطلبات العصر واحتياجات المستقبل، وهذه أمور تحتاج إلى توافر كفاءات وقدرات وإمكانات قد يفتقر إليها العالم الثالث الذي كثيرا ما يتخبط في وضع النظم والخطط الصحيحة والملائمة، نظرا لقلة الخبرة وعدم الدراية وعشوائية التفكير وعدم وضوح الرؤية والهدف.
وعلى الرغم من أهمية التعليم في إتاحة الفرص أمام الأفراد للالتحاق بشبكات اجتماعية أفقية ورأسية مؤثرة فإن التعليم لا يكفي وحده للقضاء على المعوقات التي تؤدي إلى التهميش وتمنع تحقيق الاندماج في الكيان الاجتماعي، ودعم التكامل بين مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية. ولذا فإن تنمية رأس المال الاجتماعي تحتاج إلى توسيع الشبكة الأفقية عن طريق توطيد وتنويع الروابط بين الأقران والمكافئين اجتماعيا مثل أعضاء العائلة (بالمعنى الواسع للكلمة) والأصدقاء والزملاء وأعضاء الروابط الاجتماعية والثقافية التي لا تعطي أهمية للفوارق الطبقية، والالتحاق بالشبكات الرأسية عن طريق عضوية النوادي والاتحادات التي تضم أعضاء من مستويات وفئات اجتماعية وثقافية واقتصادية ومهنية متفاوتة ولكنها متعاونة ومتساندة بحيث تتيح الفرصة للارتفاع والارتقاء.
          وقد تظهر صعوبات تحول دون توسيع نطاق بعض الشبكات الأفقية أو تمنع من الانتماء إلى الشبكات الرأسية لسبب من الأسباب. وقد تضع بعض الأجهزة الرسمية في الدول النامية العراقيل والعوائق التي تمنع من إنشاء وتوسيع تلك الشبكات، أو تحظر ممارستها لوظائفها في التنمية الاجتماعية بما في ذلك تعريف المواطنين بحقوقهم وحقهم في المطالبة بتلك الحقوق، مما يترتب عليه من تكبيل لرأس المال الاجتماعي وعدم ممارسته لوظيفته على الوجه الأكمل. وهذا كثير الحدوث في مجتمعات العالم الثالث، حيث تسود علاقات الشك وعدم الثقة المتبادلة بين الحكومة والمواطنين.
          وقد يمكن في هذه الحالة الالتجاء إلى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية أو غير الحكومية التي تحترم حقوق الفرد والحريات المدنية. والاعتماد على تلك المنظمات والمؤسسات يزيد من ثراء وقوة وفاعلية رأس المال الاجتماعي ويساعد في التغلب على تعسف الأجهزة الحكومية المناوئة لحركات الإصلاح التي تهدد مصالح بعض المسئولين الرسميين وترفع من شأن الجماعات المحرومة من حقوقها المدنية.
ولكن هذا يتطلب أن تكون لدى تلك المنظمات فكرة أو صورة واضحة وواقعية عن معنى ووظيفة رأس المال الاجتماعي وأهميته بالنسبة للتنمية الاجتماعية، والقضاء على التهميش والفوارق الاقتصادية الصارخة، وتحقيق التكامل الاجتماعي واستيعاب المجتمع المفتوح لكل عناصره البشرية والارتقاء بمستواهم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا.

المصدر: مقتطفات من مقال الدكتور/ أحمد أبو زيد/ مجلة العربي فبراير 2010
yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 292/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
96 تصويتات / 2140 مشاهدة
نشرت فى 24 فبراير 2010 بواسطة yomgedid

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر