الألغام الأرضية هي أدوات حرب ملؤها القسوة؛ فبعد عقود مضت على انحسار الصراعات، تظل أدوات القتل المستترة هذه مدسوسة في التراب هامدة، تترصد من تقتله أو تقطع أطرافه. وبفعل هذه الأدوات، ما زالت معارك القرن العشرين تزيد قائمة ضحاياها في القرن الحادي والعشرين بالإصابات الجديدة التي تتسبب فيها في كل ساعة.
وباستطاعة لغم أرضي واحد - بل حتى مجرد التوجس خيفة من وجوده - أن يأسر مجتمعاً بأكمله رهينة له. وبإمكانه أن يمنع المزارعين من زراعة المحاصيل، واللاجئين من العودة إلى ديارهم، بل ويمنع الأطفال من اللعب. كما يحول دون توزيع الإغاثة الإنسانية، ويُعيق نشر أفراد حفظ السلام، وتظل الألغام الأرضية في المجتمعات الخارجة من الصراعات واحداً من أكبر معيقات إعادة البناء والتجديد.
ومع ذلك، يمكن لهذه الجائحة التي جلبها القرن الماضي أن تتحول إلى قصة نجاح مبكرة في القرن الحالي، وقد أكد بدء النفاذ السريع لاتفاقية حظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد لعام 1997 الإدانة الأخلاقية الواسعة لهذه الأسلحة. وبدأ هذا الصك الذي يضم 150 دولة طرفاً، بالفعل في تحقيق نتائج ملموسة. وتتعاون الحكومات والجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة، على نطاق غير مسبوق، على معالجة هذه المشكلة في أكثر من 30 بلداً. وقد أخذ في التراجع إنتاج الألغام وبثها على السواء. وبات الاتجار العالمي بالألغام في حكم المنتهي. ودُمرت الأعداد المكدسة من الألغام. وزادت وتيرة عمليات تطهير الألغام، وانتشر التثقيف بمخاطر الألغام.
والرسالة واضحة ومن الواجب أن تُسمع: لا مكان للألغام الأرضية في أي مجتمع متحضر. ويبدو أن من الممكن بلوغ الهدف المتمثل في وجود عالم خال من الألغام الأرضية والمتفجرات التي تخلفها الحرب، في غضون سنوات، لا عقود، حسب ما كنا نعتقد. ولكن لكي نحقق هذا المثال المنشود، من الواجب على كل منا أن نركز طاقاتنا وقدراتنا الذهنية في خدمة قضية تطهير الألغام. ولما كنا فعالين جدا في بث الألغام، فمن الواجب علينا أن نكون أقدر على تطهيرها. فكل لغم يجري تطهيره قد يعني إنقاذ روح إنسان. وكل لغم يجري تطهيره، يدفع بنا خطوة أخرى أقرب إلى تهيئة الظروف التي ينتشر في ظلها السلام الدائم والمثمر.
ساحة النقاش