مرت على الإنسان حقبة طويلة من الزمن دون أن يستطيع الاستفادة من الصدى, حتى اخترعت طريقة لقياس عمق البحار والمحيطات بواسطة الصدى. وقد تم اختراع هذه الطريقة بالصدفة. ففي عام 1912 غرقت باخرة الركاب الضخمة (تيتانيك) بجميع ركابها نتيجة لاصطدامها المفاجئ بجبل جليدي عائم كبير الحجم . ولتجنب مثل هذه الكوارث جرت محاولات للاستفادة من الصدى في اكتشاف الجبال الجليدية العائمة الموجودة أمام الباخرة وذلك عند وجود الضباب أو حلول الليل.
ولم تنجح هذه الطريقة عمليا , ولكنها أدت إلى فكرة أخرى إلا وهى قياس عمق البحار بواسطة انعكاس الصوت عن قاع البحر وقد كانت هذه الفكرة ناجحة جدا.
ويبين الشكل التالي مخططا لهذه العملية . يوضع في القسم المغمور من السفينة مصدر للذبذبات الصوتية . وتنتقل الموجات الصوتية خلال طبقة الماء حتى تصل إلى القاع فتنعكس هناك .ثم تقفل عائدة من حيث أتت وهى تحمل معها الصدى. ويلتقط الصدى بواسطة جهاز حساس موضوع عند بطن السفينة. وهناك ساعة دقيقة تقيس الفترة الزمنية بين نشوء الصوت وحدوث الصدى . وإذا عرفنا سرعة الصوت في الماء يسهل علينا حساب المسافة التي تفصلنا عن الحاجز الذي يعكس الصوت أي تعيين عمق البحر أو المحيط.
وقد احدث جهاز قياس الأعماق بواسطة الصدى(مسبار الصدى) انقلابا حقيقيا في عمليات قياس أعماق البحار.فقد كان من الممكن استخدام الأجهزة القديمة لقياس الأعماق في حالة وقوف السفينة فقط, علاوة على الفترة الزمنية الطويلة , التي كانت تستغرقها العملية. كان شريط اليابس الملفوف على بكرة يغطس في الماء بسرعة بطيئة (150م/دقيقة) ويلف ثانية بنفس تلك السرعة تقريبا. وكانت عملية قياس عمق قدره 3 كم, بهذه الطريقة تتطلب 45 دقيقة. ولكن بمساعدة الجهاز الحديث (المسبار بالصدى) يمكن القيام بنفس العملية في عدة ثوان, أثناء حركة السفينة مع الحصول على نتائج أحسن وأدق بكثير. أن الخطأ في هذه الحالة لا يزيد على ربع متر (ويحدد الوقت اللازم؛ إلى درجة من الدقة تصل إلى 1/3000 من الثانية). فإذا كانت للقياس المضبوط للأعماق الكبيرة أهمية كبيرة بالنسبة لعلم جغرافيا المحيطات فإن إمكانية تحديد عمق المياه الضحلة بسرعة ودقة تمثل عونا حقيقيا لعملية الملاحة البحرية, حيث تجعلها مأمونة تماما. إذ انه بفضل جهاز المسبار بالصدى تستطيع السفينة الاقتراب من الساحل بسرعة واطمئنان.
وفى الأجهزة الحديثة من هذا النوع لا تستخدم أصوات عادية بل أصوات كثيفة منخفضة جدا, لا تستطيع إذن الإنسان سماعها, يقدر ترددها بعدة ملايين من الذبذبات في الثانية الواحدة. وتستحدث هذه الأصوات بتذبذب صفيحة من الكوارتز (البيزوكوارتز) موضوعة في مجال كهربائي عالي التردد.
أن جهاز المسبار بالصدى, من النوع الحديث اخترع لأول مرة في سنوات الحرب العالمية الأولى من قبل العالم الفيزيائي الفرنسي لانجيفين لغرض اكتشاف مواقع الغواصات الألمانية .
المصدر:
- كتاب الفيزياء المسلية (ياكوف بيريلمان)
ساحة النقاش