يحدثنا الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين في إحدى قصصه الهزلية , عن النكبات التي أصابت ذلك الرجل الذي اختار لنفسه هواية لا تخطر على بال إنسان ألا وهى جمع الصدى! وقد قام هذا الرجل الغريب الأطوار بشراء قطع الأرض التي كان يتردد فيها الصدى المضاعف أو أي صدى حقيقي غريب.
((وفى أول الأمر اشترى في ولاية جورجيا صدى يتردد أربع مرات وأخر ولاية ماريلاند يتردد ست مرات ثم اشترى في مدينة مينى صدى يتردد ثلاث عشرة مرة .وتمت الصفقة التالية في كنساس حيث اشترى صدى يتردد تسع مرات, ثم تلتها صفقة أخرى بشراء صدى يتردد اثنتي عشرة مرة , في تينيسى وكانت هذه الصفقة الأخيرة رخيصة لان الصدى كان بحاجة إلى ترميم بعد انهيار قسم الصخور. التي كانت تردد الصدى. وقد ظن أن بالإمكان ترميم الصدى بإتمام إقامة الصخور.
ولكن المهندس المعماري الذي تولى الأمر لم يسبق له أن بني صدى. ولذا فقد أفسده في نهاية الأمر إذ أصبح بعد التعمير لا يصلح إلا أن يكون مأوى للصم والبكم...))
أن هذا النوع من الهزل طبعا. ولكن توجد في الحقيقة أنواع مدهشة من الصدى المضاعف في مختلف بقاع الأرض وعلى الأغلب في المناطق الجبلية وقد اشتهرت بعض هذه المناطق على نطاق عالمي منذ قديم الزمان.
وفيما يلي نذكر بعض الأصداء المشهورة.أن الصدى في قصر دووستوك في انجلترا يردد 17 مقطعا صوتيا بوضوح. وردد الصدى في إطلال قصر ديرين برج في ضواحي مدينة جالبيرشتاد بألمانيا 27 مقطعا صوتيا قبل أن يتهدم احد جدرانه بتأثير القنابل . وهناك مكان معين في الدارة الصخرية بالقرب من مدينة اديرسباخ في تشيكوسلوفاكيا يردد فيه الصدى 7 مقاطع لثلاث مرات على التوالي ولكن على بعد عدة خطوات من ذلك المكان لا يسمع أي صدى حتى لأزيز طلقة البندقية. وقد كان اكبر صدى مضاعف يحدث في احد القصور القريبة من مدينة ميلان(غير موجود الآن).إذ كان يردد أزيز الرصاصة المنطلقة من إحدى نوافذ القصر, عددا من المرات يتراوح بين 40_50 مرة ويردد الكلمة المنطوقة بصوت عال,30 مرة.
وليس من السهل العثور على المكان الذي يسمع فيه الصدى بوضوح, ولو مرة واحدة, غير أن البحث عن مثل هذا المكان لا يتطلب جهدا كثيرا نوعا ما. ويوجد كثير من السهول المحاطة بالغابات, وكثير من المروج في الغابات حيث يمكننا أن نصيح بصوت عال لنسمع الصدى الذي تردده الغابة, بدرجة معينة من الوضوح. ويكون الصدى في الجبال أكثر تنوعا مما هو عليه في السهول ولكن حدوثه في الجبال اقل كثيرا من حدوثه في السهول. وسماع الصدى في الجبال أصعب من سماعه في السهل المحاط بغابة.
والآن سنشرح سبب ذلك.أن الصدى ما هو إلا عبارة عن ارتداد الموجات الصوتية المنعكسة عن احد الحواجز. وكما في حالة انعكاس الضوء فإن زاوية سقوط (الشعاع الصوتي) تساوى زاوية انعكاسه (أن الشعاع الصوتي, هو الاتجاه الذي تسلكه الموجات الصوتية).
الآن, تصور انك تقف عند سفح احد الجبال, وأن الحاجز الذي يجب أن يعكس الصوت يقع أعلى من المكان الذي تقف عليه مثلا في أ ب . وتدرك بسهولة . أن الموجات الصوتية التي تنتشر باتجاهات الخطوط ج أ/ , ج ب / , ج ج / , سوف لا تنعكس واصلة إلى أذنك , بل تنعكس متشتتة في الفضاء باتجاهات الخطوط أ/أ/ , ب/ب/ , ج/ ج/ . وسوف يختلف الأمر , لو وقفت في مكان يقع في مستوى الحاجز أو حتى أعلى منه بقليل (شكل 150) .أن الصوت المتجه إلى الأسفل باتجاه الخطوط ج أ و ج ب , سوف يعود واصلا إلى أذنك باتجاه الخطين المنكسرين ج أأ ج أو ج ب ب ج , بعد أن ينعكس عن الأرض مرة واحدة أو مرتين .أن الوادي الموجود بين النقطتين سوف يساعد على وضوح الصدى لأنه يعمل عندئذ عمل المرآة المقعرة. ويحدث العكس إذا كانت الأرض الموجودة بين النقطتين ,محدبة, إذ يصل الصوت إلى الأذن بصورة ضعيفة أو لا يصلها البتة . أن مثل هذه الأرض المحدبة تشتت (أشعة) الصوت,كما تشتت المرآة المحدبة أشعة الضوء.
أن البحث عن الصدى في المناطق الوعرة يتطلب حذاقة معينة .حتى عند العثور علي المكان الملائم يجب بعد ذلك أن نعرف كيف نحدث الصدى . ومن الضروري قبل كل شيء عدم الوقوف على مقربة تامة من الحاجز إذ يجب أن يقطع الصوت مسافة طويلة كافية وإلا رجع الصدى مبكرا واندمج بالصوت نفسه. وإذا علمنا بأن الصوت يقطع 340 م في الثانية يمكننا بسهولة أن نفهم بأننا عندما نقف على بعد 85 م من الحاجز يجب أن نسمع الصدى بعد نصف ثانية من حدوث الصوت بالضبط.
أن الصدى لا يستجيب لكافة الأصوات بصورة متساوية فكلما زادت حدة الصوت كلما زاد وضوح الصدى.وأحسن طريقة لإحداث الصدى وهى التصفيق باليدين . وصوت الإنسان اقل ملائمة لهذا الغرض خاصة صوت الرجل.والأصوات الرفيعة لدى النساء والأطفال تحدث صدى أكثر وضوحا.
المصدر:
- كتاب الفيزياء المسلية (ياكوف بيريلمان)
ساحة النقاش