في أجسام أكثر أنواع الحيوانات الثديية بما في ذلك الانسان غدد صماء، أو غدد لا قنواتية بتسمية ثانية. هذه الغدد لا تطلق إفرازاتها إلي خارج سطح الجسم، أو إلي سطح عضو من أعضائه. بل هي تصب هذه المواد الكيميائية في مجري الدم مباشرة. وهذا الإفراز الغددي نسمية الهرمون.
وبغض النظر عن مكان الغدد في الجسم، فهرموناتها يتناول تأثيرها كامل الجسم، لأن الدم يجملها إلي كل جزء منه.
أحد رواد علم الغدد الصماء كان عالم الأحياء الفرنسي العظيم كلود برنار(1813- 1878). فبفضل دراسته الشاملة المدققة للبنكرياس تعلم الأطباء الكثيرة عن هذه الغدة، وعرفوا الكثير عن أمراضها وعللها، وسبل معالجة هذه الأمراض والعلل.
لقرون خلت عرف علماء التشريح أن وراء المعدة عضوا طوله ست بوصات تقريبا، وعرضه يتراوح بين بوصتين وبوصتين ونصف. ولكنهم لم يعلموا بأن هذا العضو هو غدة من الغدد، كما إنهم لم يعرفوا أن له دورا كبيرا في وظائف الجسم. ظنوا أنه قطعة لحم وحسب، ولهذا سموه البنكرياس، استعارة من كلمتين يونانيتين مهناهما "كله لحم".
واليوم عرفنا أن البنكرياس يتألف في الأساس من مجموعات الغدد الخلوية تربطها بالاثنا عشر شبكة بالغة التعقيد. في أعلى الرسم من اليمين تري غدة البنكرياس والرسم الدائري تحتها يبين جزءا مكبرا من دلخلها. مثل هذا الرسم يساعدنا علي تفهم عمل البنكرياس.
كل غدة تقريبا تفرز العصارات المساعدة لعملية الهضم ولكن في وسط النسيج البنكرياسي توجد"جزائر لانغرهانس". هذه تفرز مادة الانسولين، والأسم مشتق من كلمة لاتينية معناها الجزر. هذه المادة تدخل مجري الدم رأسا، فتصل إلي جميع أنحاء الجسم وتتحكم باستعمال الجسم للسكر.
فماذا يقع إن أصيب البنكرياس بانحراف؟ إذا توقفت" جزائر لا نغرهانس" عن العمل الطبيعي الصحيح تتضاعف كميات السكر في دمنا، ونصاب بمرض البول السكري. وبين العلماء أن السكري، وكان مرضا عضالا، ومازال شفاؤه مستعصيا متعذرا، ينجم في كثير من الحالات عن نقص ضئيل في هرمون الانسولين الذي تفرزه خلايا الغدد هذه.
وما أن تثبت العلماء من أن الإنسولين يتحكم بكمية السكر في الدم حتى انكبوا علي بحوثهم أملا في اكتشاف الطرق الاصطناعية لتزويد المقاسين من السكري به. وتوصلوا إلي الطريقة. وما عتمت المصانع الكبيرة أن بدأت تنتج الانسولين من غدد البنكرياس الحيوانية.(في الرسم صورة لأحد المصانع).وغدا الانسولين واهب الحياة إلى آلاف لا تحصى من الخلق.
ومعظم الناس اليوم الذين يقاسون من المرض يحيون حياة طبيعية باعطاء أنفسهم حقن الإنسولين. بعد دقائق من دخول إلى مجري دمهم، يبدأ في خذف المحتوي السكري الفائض. وبفضل الانسولين استطاع الاطباء إنقاذ كل من يصاب ببحران السكري.
ولكن الحقنة تصلح لساعات، وعليه لا مهرب من تكرارها، ليبقي البول والدم في حالة عادية جيدة.
وواصل العلماء بحوثهم، ووصلوا بذل جهودهم. وفي عام 1958 منح الدكتور"فريدريك سانغر" جائزة نوبل. وكان رابع من تغدق عليه الجائزة لما قدمه من معلومات عظيمة القيمة عن الانسولين. ولكنه مضة فيه بجد واجتهاد غير عابيء بما قد يلم بصحته من أسقام.
هذه المعلومات عمقت من جذور التفهم، وبينت طريقة الانسولين في عمله. ودغدغ الأمل مشاعرهم في أن يوفقوا يوما إلي صنع الانسولين كيميائيا بدلا من استخراجه من بنكرياس الحيوان.
الانسولين أتي ترياقا، وعسى أن يأتي شيء جديد يكتشفونه بترياق جديد- بعقار يشفي من داء السكري!
المصدر:
- كتاب الحياة وعجائبها / إميل خليل بيرس
ساحة النقاش