تقرير البنك الدولي عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "اليوم العالمي للمياه":
الاستخدام غير المستدام سيخفّض حصّة الفرد إلى النصف سنة 2050
كتبت ريما صوايا أبو حرب:
يفتقر نحو 1,1 بليون شخص في العالم الى امكان الحصول على مياه شفة نظيفة، فيما يفتقد 2,6 مليون شخص الى منشآت صرف صحي اي مراحيض. ووفقا لبيانات "المجلس العالمي للمياه" فانه في حلول سنة 2025 سيعيش زهاء 3,5 بلايين شخص في أماكن تكون فيها المياه شحيحة أو أنها على وشك ان تصبح كذلك.
"شح المياه" هو موضوع اليوم العالمي للمياه الذي يحتفل به سنويا في 22 آذار. ويبرز الموضوع الاهمية المتزايدة لندرة المياه في كل أنحاء العالم، الامر الذي يشكل مصدر قلق كبير في المستقبل، وخصوصا في البلدان التي تستخدم مواردها المائية حتى أقصى الحدود، مما يدعو الى ضرورة زيادة التعاون لضمان الادارة المستدامة والعادلة لموارد المياه على الصعيدين الدولي والمحلي.
وفي هذه المناسبة، أصدر البنك الدولي تقريرا اقليميا بعنوان "الافادة المثلى من شح المياه: المساءلة بغية تحسين نتائج ادارة شؤون المياه في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا"، وهو أول تقرير يصدره البنك الدولي عن هذا الموضوع منذ 10 أعوام.
ويرى التقرير أن منطقة الشرق الاوسط تستخدم 80 في المئة من المياه المتوافرة لديها، وهذا يمثل اختلافا واضحا عن مناطق أخرى في العالم مثل أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي وافريقيا جنوب الصحراء التي لا تستخدم الا نحو 2 في المئة من موارد المياه الموجودة في المنطقة.
ويتنبأ بأن هذا الاستخدام الكثيف للمياه في المنطقة لا يترك مجالا كبيرا للتكيف مع حاجات النمو السكاني او الآثار الناجمة عن المناخ، والتي يمكن ان تؤدي الى خفض نسبة المياه المتاحة للفرد الى مستوى النصف مع حلول سنة 2050. ناهيك بأن أكثر من بليون شخص في منطقة جنوب آسيا، باتوا معرضين لنوبات جفاف وفيضانات اذا حصل ما هو متوقع وذابت الأنهر الجليدية في جبال هملايا نتيجة للتغييرات المناخية.
ويقدر التقرير بأن تكلفة المشكلات البيئية المرتبطة بالمياه، تصل الى ما يراوح 0,5 و2,5 في المئة من اجمالي الناتج المحلي سنويا، وذلك في عدد من بلدان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
وفي المقابل، يتطرق الى الحلول الخاصة بادارة المياه في المنطقة ضمن السياسات الاقتصادية الاوسع نطاقا والخاصة بالمنطقة، ذلك ان تلبية حاجات المياه في ظل الزيادة السكانية التي تشهدها المنطقة لا يمكن ان تعتمد على النهج المتبع حاليا، فثمة العديد من السياسات في مجالات الزراعة والتجارة وأسواق المال والطاقة التي تمثل في مجموعها عوامل تؤثر على كمية المياه وسبل استخدامها.
ملخص التقرير
ماذا في ملخص التقرير، وهل ان بلدان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا قادرة على تعديل ممارساتها الحالية في ما يتعلق بادارة شؤون المياه بغية التصدي للتحديات المتوقعة مستقبلا؟
يلفت التقرير الى أن عدم التصدي لهذه التحديات ستكون عواقبه الاقتصادية والاجتماعية وخيمة، وخصوصا ان اعتماد المدن يتزايد على عمليات تحلية المياه التي هي باهظة التكلفة في حين تعتمد في فترات احتباس الامطار على امدادات الطوارىء التي يجري نقلها بالصهاريج او المراكب. وفيما يتعلق بالزراعة القائمة على الري، فان من شأن عدم الاعتماد على امدادات مياه الري زيادة هبوط دخل المزارعين مما سيزيد الاضطراب الاقتصادي والمالي الذي سيرافقه استنفاد مصادر المياه الجوفية.
تحركات ميدانية
ماذا فعلت بلدان المنطقة للاحاطة بهذه المشكلة، وهل توصلت الى النتائج المرجوة؟
يرى التقرير "أن معظم بلدان المنطقة حقق تقدما كبيرا في مجالات التقنية والسياسات والمؤسسات في قطاع المياه. وتقوم هذه البلدان بادارة أنظمة وشبكات متطورة في مجال تكنولوجيا تحلية المياه. وقامت الحكومات في مختلف بلدان هذه المنطقة بتنفيذ سياسات وتغييرات مؤسسية مبتكرة بدأت بالفعل تظهر نتائج واعدة. فهيئات الادارة الحكومية المحلية في بعض المدن تحولت من القيام مباشرة بتقديم خدمات امدادات المياه، الى التركيز على وضع اللوائح الناظمة للخدمات التي تقوم بتقديمها شركات ومؤسسات مستقلة او شركات يملكها القطاع الخاص وفي العديد من بلدان المنطقة قام المزارعون بعملية ادارة شؤون البنية التحتية الخاصة بهم في شأن الري ومخصصات وتوزيع المياه. وقام عدد من الحكومات بانشاء هيئات اوكلت اليها مهمة التخطيط والادارة في شأن المياه على مستوى احواض الانهار. ومن اجل تنفيذ السياسات الجديدة. قام معظم الحكومات بانشاء وزارات تقوم بادارة شؤون الموارد المائية وزودتها اجهزة من الموظفين المهنيين المتفرغين وجيّدي التدريب.
ولكن هذه الجهود لم تؤد حتى الآن الى تحقيق التحسن المتوقع في المنتجات المائية. فعملية ادارة الموارد المائية ما زالت تعتريها المشاكل في معظم بلدان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. فالمياه ما زالت تخصص لاستخدامات منخفضة القيمة حتى مع بقاء حاجات الاستخدامات الاعلى قيمة من دون ان يتم الوفاء بها. كما ان فرط استخراج المياه الجوفية يقوض اصول موجودات البلدان بمعدلات تقع بين 1 و2 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في كل سنة في بعض البلدان، مع مشكلات بيئية متعلقة بتكاليف المياه تعادل ما بين 0,5 و2,5 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في كل سنة. وعلى رغم الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها المنطقة في قطاع امدادات المياه عبر شبكات خطوط الانابيب، لا تزال نواتج الصحة العامة ضعيفة في العديد من بلدانها. ففي عام 2002، سببت الاسهالات وفاة 22 شخصا من كل 100000 من بين سكان بلدانها (ما عدا بلدان الخليج واسرائيل وليبيا). في مقابل 6 وفيات في منطقة اميركا اللاتينية والبحر الكاريبي التي لديها مستويات مماثلة من الدخل والخدمات. ويقع الكثير من الاستثمارات على عاتق الخزينة العامة (لكل من تكاليف الاستثمارات وتكاليف العمليات). حيث تخصص لتلك الاغراض ما بين 1 و3 في المئة من اجمالي الناتج المحلي سنويا في العديد من البلدان. وقد يكون الانفاق العام على المياه اكثر كفاية بكثير. فعلى سبيل المثال. يقوم العديد من البلدان بدعم اسعار خدمات بوسع المستهلكين دفع مقابلها وهم على استعداد لدفع ذلك المقابل. مما يخفض الحوافز امام مؤسسات تقديم الخدمات كي تقوم بتحسين خدماتها. كما ان الحكومات في العديد من البلدان غالبا ما تستثمر في مشروعات كبيرة لادارة شؤون الموارد المائية والتعبئة تلك الموارد، من دون ان يسفر ذلك عن تحقيق العائد الاقتصادي المتوقع منها او انه توجد بدائل في شأنها ادنى تكلفة واكثر رخصا.
ثمة سببان رئيسيان لعدم تحقيق النتائج المرجوة. اولا. التغييرات كانت جزئية وليست كاملة. فما زال على معظم بلدان المنطقة القيام ببعض اهم عمليات الاصلاح لانه ثبت عدم امكان القيام بها لاسباب سياسية. ولكن في معظم الحالات عارضت مجموعات لها اهميتها سياسيا اجراء التغييرات اللازمة. فبعض المجموعات القوية تستفيد من الخدمات المدعومة الاسعار او التوزيع القائم للمخصصات من المياه. وتريد المحافظة على الوضع الحالي الراهن. اما الذين سيستفيدون من عمليات الاصلاح – المزارعون، والمدافعون عن البيئة. والاسر الفقيرة التي تعيش على اطراف المدن – فلم تتمكن من انشاء مجموعات ضغط فعالة. وفي بعض الحالات. لم يكن لديها القدر الكافي من المعلومات عن المشكلة المعنية. وفي الحالات الاخرى. لم تكن لديها تنظيمات او القدرة على الوصول الى الاقنية اللازمة للتواصل مع السلطات المعنية. كما لم يكن الضغط على المالية العامة ظاهرا دائما مما اخفى المشاكل وادى الى الا تسترعي التكاليف الحقيقية اهتمام وزارات المال: القدرة على تأجيل اعمال صيانة الكثير من البنية التحتية الكبيرة وتجزئة قطاع المياه الى عدة قطاعات فرعية، وعدم شفافية اجراءات وضع الموازنة. كما ان العديد من منافع الاصلاح لا تظهر الا بعد مضي وقت طويل بينما التكاليف تكون عادة مباشرة وفورية. وربما كان من اكثر الاشياء اهمية. ان المنطقة لم تشهد ازمات اقتصادية كبيرة او ازمات موارد طبيعية كبيرة (ازمة مالية عامة. او فترات جفاف. او فيضانات) من الانواع التي يمكن ان تؤدي الى القبول عموما بأن الاصلاحات ضرورية. وان المنافع ستكون كبيرة بما يكفي لتبرير الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعنية.
السبب الثاني في ان عمليات الاصلاح لم تؤد الى التحسينات المتوقعة للمياه، هو ان بعض اكثر العوامل اهمية واثرا على منتجات المياه من قطاعات المياه واقعة خارج اطار كل من: الري وادارة شؤون الموارد المائية، وامدادات المياه والصرف الصحي ومما يمكن ان يكون له اثر على عملية ادارة شؤون المياه اكبر من اثر العديد من السياسات التي تصدرت الدعوة اليها وتنفيذها الوزارات المعنية بالمياه سياسات كل من: الزراعة والتجارة والطاقة والعقارات والتمويل والحماية الاجتماعية، وتلك التي تؤثر في تنويع الاقتصاد عموما فخيارات زراعة المحاصيل مثلا، تعتبر من بين العوامل الرئيسية المحددة لاستخدامات واستهلاك المياه في قطاع الزراعة (الذي تبلغ حصته نحو 85 في المائة من استخدامات المياه في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا). كما انها اكثر تأثرا بالاسعار التي يمكن المزارعين الحصول عليها في مقابل تلك المحاصيل من تأثرها بأسعار خدمات الري. حيث ان اسعار خدمات الري لا تشكل عادة سوى نسبة صغيرة جدا من التكاليف التي يتحملها المزارعون. كما ان اسعار السلع الاولية الزراعية تحددها مجموعة متنوعة من السياسات غير المتعلقة بالمياه ومنها سياسات: التجارة والنقل والاراضي والتمويل.
خطوات نحو الهدف
ويشير التقرير الى انه لا ينبغي ان تكون المياه معوقا امام تنمية الاقتصاد وتحقيق الاستقرار الاجتماعي في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. والواقع ان من المرجح ان تؤدي تقوية الاقتصاد الى اعطاء الحكومات المزيد من "مجال التحرك السياسي" من اجل الاصلاحات اللازمة لتحسين نظام ادارة شؤون قطاع المياه.
ويشمل السبيل الى الوضع الذي تصبح فيه عملية ادارة شؤون قطاع المياه قابلة للاستمرار من الوجهات المالية والاجتماعية والبيئية على ثلاثة عوامل غالبا ما تغفل عنها عمليات وضع خطط المياه وهي:
- اولا ادراك ان قرارات الاصلاح سياسية اصلا بدل السعي للفصل بين ما هو تقني وما هو سياسي من بين الاجراءات والخطوات. ويتضمن هذا: فهم العوامل التي تدفع ديناميات الاصلاح السياسية. وتحليل اين يمكن ان تكون تلك الديناميات آخذة في التغير. ومن ثم تحديد تسلسل انشطة الاصلاح وفقا لذلك. كما ان الاصلاح يحتاج الى انصار له في الجانبين السياسي والتقني.
- ثانيا فهم الاهمية المركزية للسياسات خارج قطاع المياه بالنسبة الى هذا القطاع واشراك صانعي القرارات من خارج قطاع المياه في عملية اصلاح سياسات القطاع.
- ثالثا تحسين مساءلة الجمهور العام للهيئات الحكومية ومؤسسات وشركات تقديم خدمات المياه. وينبغي ان ترى الحكومات والمؤسسات والشركات التي تقوم بتقديم الخدمات نتائج واضحة للاداء الجيد والاداء السيئ. ولتحقيق هذا تعتبر الشفافية ضرورية كي يعرف الجمهور العام الشمولية سبب اتخاذ القرارات. وما هي المنتجات التي يمكن لهم توقعها. وما تحقق منها فعلا، كما تتطلب جودة المساءلة اعتماد الشمولية – بما يمكن مجموعة واسعة من اصحاب المصلحة المباشرة المعنيين من المشاركة في عملية اتخاذ القرارات".
ويختم التقرير انه "في وسع منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا التصدي للتحدي الماثل في عملية ادارة شؤون المياه فالتغلب على الشح وشدة التقلبات في اطار التزايد السكاني والاقتصادي المتغير من شأنهما ان ينطوي على بعض الخيارات الصعبة والتغييرات المؤلمة. ومع ذلك تشير الخطوات الصغيرة التي شهدتها في الآونة الاخيرة بلدان عدة في هذه المنطقة الى ان من الممكن القيام بذلك وقد يصبح اجراء المزيد من الاصلاحات ممكنا وذلك من خلال رؤية اصلاح قطاع المياه في اطار الاعتبارات الاقتصادية السياسية المعنية والتعامل مع الطبيعة المتعددة القطاع لاصلاحات عملية ادارة شؤون المياه. ويمكن الاصلاحات ان تؤتي ثمارها من حيث المنتجات في ما يتعلق بـ: الاقتصاد ورفاهية البشر والبيئة والموازنة وذلك عبر ادخال تغييرات على مختلف الصعد بما في ذلك الصعيد المحلي بغية تحسين المساءلة امام الجمهور العام".
ساحة النقاش