على مرّ التاريخ بحث الإنسان عن مصادر المياه العذبة، واستوطن بجانبها. وقامت حولها العديد من الحضارات. ونتيجة لوفرة هذه المصادر، من أنهار وبحيرات، لم يفطن الإنسان إلى ما بين يديه من ثروة؛ فلم يحافظ عليها، وبددها وأهدرها.
وألقت العديد من المدن والقرى بنفاياتها وصرفها، في الماء العذب فلوثته، وفي أغلب البلاد، تقدر المستحقات التي تدفع على استهلاك الماء، وفقاً لحجم المنزل أو السكن، دون اعتبار لمقدار ما يتم استهلاكه من المياه، مما حدا بسكان هذه المنازل، إلى الإسراف في استهلاك المياه العذبة. إلاّ أنه في بعض المدن، تُركب عدادات لتقدير المياه، على أساس الاستهلاك الفعلي. وفي هذه الحالة تزداد قيمة المستحقات المدفوعة، تبعاً لكمية المياه المستهلكة، مما يشجع على الاقتصاد في استهلاك الماء، وإقلال الفاقد منها، عن طريق إصلاح شبكة المياه في المنازل، وأنابيب المياه التالفة.
كما بدأ في العديد من المدن، مشاريع الاستفادة من مياه الصرف الصحي، عن طريق معالجتها بدلاً من صرفها في البحار، أو مسطحات المياه العذبة وتلويثها. وتستخدم مياه الصرف المعالجة، في استصلاح الأراضي واستزراعها، وري الحدائق والشوارع، بدلاً من المياه العذبة. كما بدأت بعض البلاد الصحراوية، في تنفيذ مشاريع إعذاب مياه البحر، لاستخدامها كمصدر للمياه العذبة، بعدما تناقصت موارد المياه العذبة، من آبار وعيون وبحيرات. كما بدأت هذه البلدان في إجراء البحوث الجادة، حول إمكانية إسقاط الأمطار اصطناعياً، ولكن هذه الأفكار لا تزال طور الأبحاث، لأنها مكلفة للغاية في الوقت الحاضر.
معالجة مياه الشرب:
تزايد الاهتمام العالمي بجودة مياه الشرب، من منتصف القرن العشرين. وقد تُرجم هذا الاهتمام بوضع معايير صحية لمواصفات مياه الشرب، الصالحة للاستهلاك الآدمي، بما يكفل حفظ صحة الإنسان وحمايتها، فقد ارتبطت العديد من الأوبئة وانتشارها بماء الشرب الملوث، مثلما حدث في وباء الكوليرا في مدينة هامبورج عام 1829، حينما أُصيب ما يزيد عن 17 ألفاً، وتوفي ما يزيد عن نصفهم نتيجة هذا الوباء. وقد بادرت هيئة الأمم المتحدة بالعمل على إصدار هذه المعايير، من خلال إحدى منظماتها المتخصصة، وهي منظمة الصحة العالمية (WHO)، التي أصدرت العديد من الإصدارات، التي تحتوي على مواصفات مياه الشرب، والمعايير الصحية، التي يجب ألاّ تقل مياه الشرب عنها.
وللوصول إلى هذه المعايير والمواصفات القياسية لمياه الشرب، كان لا بدّ من تعريض مياه الشرب، سواء كانت مياه سطحية أو جوفية، للعديد من المعاملات الخاصة، للوصول إلى أقصى درجة من النقاء. ولكي تتوافق مواصفات هذه المياه، مع مواصفات مياه الشرب القياسية العالمية. وتتضمن معالجة مياه الشرب وتنقيتها، العديد من الخطوات والمراحل، منها: مرحلة فصل الرمال والمواد العالقة من الماء، ثم مرحلة الترويب والتخثير Coagulation & Flocculation، وتليها مرحلة الترسيب Sedimentation، ثم مرحلة الترشيح الرملي Sand Filtration، وتنتهي عملية المعالجة باضافة الكلور، وهو ما يعرف بعملية "الكلورة" Chlorination. ويتم اتباع هذه الخطوات في العديد من محطات التنقية المقامة على نهر النيل، لتنقية مياه النيل، والعديد من الآبار الجوفية، التي تستمد مياهها من خلال الطبقات الأرضية.
ساحة النقاش