مقال منقول بقلم: عبد العظيم بدران
أحب أن أشير في بداية كلماتي هذه إلى أن هذا ليس إعلاناً عن وظائف، فليس هنا موضع مثل هذا الإعلان، لكنني أؤكد لك- أيها القارئ العزيز- أن كلماتي التالية لها صلة وثيقة جداً بموضوع البحث عن وظيفة، هذا الموضوع الذي يؤرق الملايين من الشعوب، والكثير من الحكومات في عالم اليوم. 
ذات يوم خرجت من منزلي متوجهاً إلى مقر عملي، وإذا سيدة في الأربعينيّات من عمرها تمشي نحوي على استحياء وخجل، ألقت عليَّ السلام فرددت عليها التحية، وقالت لي: 
هل تعرفني؟! 
قلت لها: مرحباً بك، لم أتشرف بالتعرف عليك من قبل. 
قالت: أنا أم (فلان) نحن نسكن هنا بجوارك، في نفس الشارع. 
فانتبهت إليها مرحباً، وقلت: أهلاً وسهلاً، وكيف الحال؟ 
فقالت في كلمات يختلط بها الألم: إنني أريد منك أن تبحث لابني (فلان) عن عمل. 
لقد تخرج من كلية الحقوق منذ أربع سنوات، ولم يستطع -حتى الآن- الحصول على وظيفة معقولة تلبي له متطلبات حياته.. إنني أحمل همه أنا وأبوه أكثر مما يحمله هذا المسكين.. 
قلت لها متأثراً: حينما أعود من عملي –إن شاء الله- أنا على موعد مع ابنك لأتحدث معه. 
فأظهرت السيدة لي امتنانها لتفاعلي معها، وقدمت لي الشكر والدعوات. 
وفي حواري مع ابنها (المحامي افتراضاً) تبين لي عدة أمور، كان أهمها: 
- أن هذا الشاب حصل على شهادة الليسانس منذ أربع سنوات. 
- وأنه عمل مع محام كبير عدة أشهر، لكنه لم يداوم معه لضحالة ما كان يتقاضاه من أجر. 
- وأنه ظل ينتظر طيلة هذه السنوات ويبحث عن عمل حتى عنَّت له فرصة في (التمثيل) وبالفعل هرول نحو هذا الوسط ظناً منه أن أبواب الثراء والشهرة قد فُتِحت له. 
- وأنه ما زال حتى الآن لم يحقق شهرة، كما أن العمل الذي يقوم به موسمي متقطع؛ وبالتالي فهو يبحث عن عمل آخر. 
- وأنه ظل طوال الفترة الماضية يحلم بوظيفة مستقرة ذات دخل معقول أو كبير، لكن دون جدوى، فأصابه اليأس والإحباط، وكان بين الحين والحين يُخرج شهادة الليسانس وينظر إليها ويتأثر أشد ما يكون، ويرثي لحاله. 
وبعد أن استمعت جيداً إلى هذا الشاب (المحامي) طرحت عليه السؤال التالي: 
- هل أنت تحب وظيفتك الأساسية (المحاماة) أم أنك زهدت فيها؟ 
- أجاب الشاب: بل إنني أحبها، وأرغب في العمل بها. 
- قلت: إذاً فلماذا تركت العمل مع هذا المحامي الكبير، ولم تصبر نفسك معه حتى تكتسب المزيد من الخبرات؛ لتفتح لك آفاقاً أوسع؟ 
- قال: لقد كان العائد المادي قليلاً جداً لدرجة أنه لا يكفيني شيئاً. 
- قلت: هل حاولت في الفترة الماضية الالتحاق بالدراسات العليا بكليتك، استغلالاً لوقت فراغك هذا؟ إن أربع سنوات كانت كافية لحصولك على الماجستير الآن... 
- قال: في الحقيقة لم أفعل ذلك. 
- قلت: هل فكرت في تنمية مهاراتك اللغوية، وتقدمت لاجتياز دورة في لغة أجنبية مناسبة. 
- قال: كلا! 
- قلت: هل فكرت في تنمية قدراتك واكتساب مهارات جديدة مثل: تعلم الكمبيوتر والإنترنت، ثم التخصص في مجال تجد نفسك تميل إليه مثل: الصوتيات أو الرسومات أو البرمجة أو غيرها؟ 
- قال الشاب: الحقيقة لم تكن كل هذه الأفكار سانحة أمام عيني..! 
- قلت: إنني على يقين من أنك لو كنت تتقن فن الكتابة على الكمبيوتر مثلاً لتمسك بك المحامي الذي كنت تعمل معه، ولضاعف لك راتبك؛ لأنك بلا شك كنت ستوفر له كثيراً من وقته الذي يصرفه في كتابة أوراقه خارج مكتبه.. لكن على أية حال: دعنا نبدأ من الآن... 
- قال: لكن هل تظن أنني إذا تعلمت شيئاً من ذلك ستتاح لي وظيفة بسهولة؟ 
- قلت: هذا السؤال يا صديقي في غير محله، وهو للأسف سؤال يكرره كثير من الشباب الذين هم في مثل ظروفك.. والصحيح أن نقول: نتعلم أولاً ثم نبحث عن العمل، ولا بد للعمل حينها أن يأتي.. ولكي أبرهن لك على صدق ما أقول فإنني أؤكد لك أن اثنين من أقربائي أشرت على كليهما منذ سنين أن يتعلما الكمبيوتر بإتقان، فأخذ أحدهما كلامي على محمل الجد والمسؤولية بينما تهاون الآخر، مع أن جهاز الكمبيوتر كان متاحاً لهما في المنـزل.. فأخذ الأول نفسه مأخذ الجد، وعوّد الآخر نفسه على اللعب طوال وقت فراغه، والآن إذا نظرت إليهما لعرفت إلى أي مدى الفرق شاسع بين الاثنين: الأول عُيّن في شركة كبيرة متخصصة في الأوراق المالية، والآخر يعمل حارس أمن في إحدى المؤسسات بربع راتب الأول وضعف وقت دوامه في نفسه الوقت..! 
- قال الشاب: إلى هذا الحد؟! يبدو أنني كنت أعيش حياة أخرى، هي حياة الغافلين.. 
- قلت له: افترض معي يا صديقي أن إحدى الشركات أعلنت عن طلب شغل وظائف لخمسة محاسبين مثلاًُ، فماذا تتخيل؟.. بالطبع سيتقدم لهذا الإعلان مئات الشباب، وسيكون تصنيف هؤلاء الشباب كالتالي: 
- السواد الأعظم من هؤلاء الشباب: حديثو التخرج. 
- نسبة أقل من هؤلاء الشباب: لديهم خبرات سابقة. 
- نسبة أقل من هؤلاء الشباب: لديهم خبرات سابقة، ويلتحقون حالياً بالدراسات العليا. 
- نسبة أقل من هؤلاء الشباب: لديهم خبرات سابقة، وحصلوا على تمهيدي/ماجستير/دكتوراة في تخصصهم. 
- نسبة أقل من هؤلاء الشباب: لديهم خبرات سابقة، وحصلوا على تمهيدي/ماجستير/دكتوراة في تخصصهم، ولديهم خبرة جيدة في التعامل مع الكمبيوتر. 
- نسبة أقل من هؤلاء الشباب: لديهم خبرات سابقة، وحصلوا على تمهيدي/ماجستير/دكتوراة في تخصصهم، ولديهم خبرة جيدة في التعامل مع الكمبيوتر، ومستوى جيد بلغة أجنبية. 
فمن يا ترى سيختار صاحب الشركة من بين هؤلاء الشباب المتقدمين؟ 
- سارع الشاب وقال: بالطبع سيختار أصحاب الخبرات، والدراسات، والكمبيوتر، واللغات.. 
- قلت: وهذا يا صديقي ما أريد أن أصل إليه معك.. يجب أن نتعلم دائماً ولا نتوقف.. لا يكفي الليسانس أو البكالوريوس، ولا التمهيدي ولا الماجستير ولا الدكتوراة، ولا اللغة، ولا الكمبيوتر.. إنما يجب أن نظل دائماً أبداً: 
طلاباً للعلم: النظري والعملي سواء بسواء.. وتأكد حينها أنك لن تجد ذرة من وقتك لتضع فيها يدك على خدك تنتظر فيها أحداً يطرق بابك ليسوق إليك (وظيفة). 
سارع الشاب وهو ينظر إليّ ويقول: لكن كيف سأتعلم كل هذا؟! 
قلت له: يمكنك الشروع في شراء كمبيوتر –ولو بالتقسيط- وابدأ من الآن، وسوف أتابع معك أولاً بأول، وأساعدك في توفير ما تحتاجه من أدوات التعلم وبرامجه، هذا واجب لك عليّ يفرضه الإسلام قبل كل شيء، وتفرضه صفة الجوار أيضا، وتفرضه صفة الإنسانيّة كذلك. 
بعد أيام قلائل قابلني الشاب مبتسماً، وقد أشرق وجهه بالأمل، وانزاحت عنه كآبة الحزن والملل، وقال لي: لقد اشتريت حاسوباً، وبدأت في التدرّب عليه، وخطوت في ذلك خطوات مُرضية.. فقلت له في ابتسامة، مشجعاً له ومطمئناً: الآن بدأت طريق النجاح.. ابدأ واستعن بالله.

yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 338/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
113 تصويتات / 2701 مشاهدة
نشرت فى 26 مارس 2009 بواسطة yomgedid

ساحة النقاش

NAGWAMOHAMD
<p>ليس كل ما تقولة حقيقة فان طبقت كل ما قولت واكثر ويشكر كثير من الناس فى سيرتى الذاتية وذهبت الى مقابلات كثيرة&nbsp; وكنت اجد قبول ولم انجح&nbsp;&nbsp;&nbsp; لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟</p>

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر