نتج من معامل أبحاث الذكاء الاصطناعي تقنيات عديدة مازال بعضها في الأطوار الأولى من الدراسة والبحث، في حين وصل البعض الآخر إلى بعض النضج الذي أدى إلى تطوير أنظمة جديدة عملية تعالج مشاكل واقعية كان يعتبر من المستحيل معالجتها في الماضي بأساليب البرمجة التقليدية، ويعتبر مجالي : الذراع الآلية الذكية ( Smart Robot ) والأنظمة الخبيرة ( Expert Systems ) أهم مجالين من هذه المجالات.
وفيما يلي نبذة مبسطة لهاتين التقنيتين وإمكاناتهما:
1- الذراع الآلية الذكية :
استخدمت الذراع الآلية مؤخراً في المصانع للقيام بالأعمال الروتينية التي تحتاج إلى قوة عضلية ولا تتطلب عمليات أو أنشطة ذهنية معقدة مثل عمليات اللحام والدهان في مصانع السيارات.
وقد اعتمد تشغيل هذه الأذرع على أنظمة التحكم ( Control Systems ) التي تعمل بواسطة أجهزة الحاسب الآلي، وكانت اليابان أول من استخدمت هذه الأذرع بصورة موسعة في صناعة السيارات والذي نتج عنه غزو اليابان للأسواق العالمية بسيارات ذات جودة عالية وأسعار منافسة.
ولاستخدام الأذرع الآلية في التصنيع فوائد عديدة فهي لا تطالب بإجازات أسبوعية أو سنوية أو عرضية ولاتكل ولا تتعب من العمل ولا تتوقف إلا لفترات الصيانة، كما أنها تستطيع العمل في مصانع غير مكيفة أو مضاءة إضاءة غير قوية، وفي هذا توفير للطاقة، ثم إنها لا ترفع الدعاوي، ولا تطالب بتعويضات إذا تعرضت خطأ أو عمداً إلى غازات سامة أو مواد كيماوية ضارة، وأخيراً فهي لا تحتاج إلى مرافق مساندة مثل دور الحضانة وصالات الطعام والصالات الرياضية وغيرها مما يطالب به العمال، وليس من الصعب طبعاً ترجمة كل هذه المزايا إلى توفير كبير في تكلفة الإنتاج وفي السيطرة على الطاقة الإنتاجية للمصانع بحيث تتناسب مع قوى العرض والطلب للسوق، وذلك بدون اللجوء إلى تسريح العمال لبضعة أسابيع أو شهور أو في وضع ورديات إضافية.
ومع تطور أنظمة التحكم الآلية وازدياد قدرة الحاسبات الآلية التي تشغلها ازدادت قدرات الذراع الآلية، وأصبحت تقوم بأعمال دقيقة ومركبة كصنع شرائح الميكرو كمبيوتر وغيرها من الأعمال التي تتطلب أنظمة تحكم معقدة وصعبة، كذلك أصبحت هناك أذرع تستعمل الرؤية الإلكترونية ( Electronic Vision ) في فرز المنتجات وفي تحريك الذراع ( أو عدة أذرع ) في حيز ضيق بأسلوب مرن يتناسب مع متغيرات البيئة التي يعمل بها .
ويتلخص أسلوب الرؤية الإليكترونية في تحويل الصورة الإليكترونية المكونة من نقاط (pixels) سوداء او بيضاء إلى خطوط وأضلاع متصلة لتكوين صورة ثم مقارنة الصورة الناتجة بالنماذج المخزونة مسبقا في الجهاز، ويمكن بهذه الطريقة التعرف مثلاً على صورة الطائرة من أجنحتها وذيلها، وتمييز المطار بمدرجات إقلاع الطائرات، والمسجد من مئذنته وهكذا، وتتمثل صعوبة الرؤية الإليكترونية في اختلاف الصورة مع اختلاف الإضاءة المسلطة على الجسم ووقوع الظل على أجزاء منه، ولتقنية الرؤية الإليكترونية تطبيقات عديدة في مجالات توجيه الصواريخ والطائرات والأقمار الصناعية ومجالات التجسس بالإضافة لمجال الأذرع الآلية.
ومن أشهر أنظمة الأذرع الذكية التي تستعمل الرؤية الإلكترونية في المجال الصناعي هو نظام كون سيت Consight المستخدم الآن في شركة جنرال موتورز للسيارات بكندا والذي يسمح للذراع الآلية الذكية بفرز قوالب محركات السيارة " Engine Casts " أثناء مرورها أمامه على الحزام المتحرك تحت إضاءة معينة، وبعد تحليل الضوء تقوم الذراع باستخراج القوالب التي لا تتفق والمواصفات المطلوبة.
استعمال أكثر من ذراع آلي:
ويمثل استعمال أكثر من ذراع واحدة في حيز ضيق صعوبة فنية كبيرة نظراً لخطورة اصطدام بعضها ببعض، كما أن التنسيق بينها في التعاون على إنجاز عمل ما له مشاكله الفنية نظراً لضرورة متابعة كل ذراع وما يقوم به من عمل بالإضافة إلى ما أنجز غيره من أعمال.
وقد اقتصر استعمال الأذرع الآلية حتى عهد قريب على استخدام كل ذراع على حدة ، حيث أن استخدام أكثر من ذراع واحدة في إنجاز مهمة مركبة يحتاج إلى أنظمة آلية جديدة ومعقدة تقوم برسم الخطة العامة للحركة وتقوم باستنتاج الخطوات المنطقية التي يجب أن تنفذها كل ذراع ، وبالتالي فهي أنظمة تحتاج إلى الذكاء الاصطناعي وأساليبه في استحداث نماذج محاسبية للبيئة وتخزين قوانين وأسس الحركة المطلوبة.
2- أنظمة الخبراء (Expert Systems):
تهدف أنظمة الخبراء ( Expert Systems ) إلى تطوير برامج محاسبية تستطيع تحليل الأحداث والمواقف في مجال من المجالات والوصول إلى نفس الاستنتاجات أو النتائج التي يصل لها الخبير.
وقد دلت الأبحاث على أن المعلومات التي يستخدمها الخبير في عمله تنقسم إلى قسمين رئيسيين: الأول خاص بالمعلومات الشائعة في هذا المجال مثل الحقائق والقوانين ( facts ) المتعرف عليها والمقبولة لجميع المختصين ( Heuristics ) التي يتميز بها الخبير عن غيره، والتي قد تكون على شكل علاقة مثلا بين لون البشرة ونسبة الكوليسترول في الدم.
كانت الورقة العلمية التي تقدم بها البروفيسير ( faygenbaum ) خبير الذكاء الاصطناعي في جامعة ستانفورد لمؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي لعام 1977 م أكبر الأثر في توجيه هذا العلم الجديد ، حيث طرح البروفيسير فكرة أن قوة أنظمة الخبراء تنبع من المعرفة Knowledge التي تختزنها وليس من قدرتها على تمثيل النماذج والقيام بعمليات استنتاجية ، ومن هذه النظرية ركزت الأبحاث الجديدة على استخلاص المعرفة من الخبراء بدلاً من التركيز على الطرق المختلفة للتمثيل والعمليات الاستنتاجية المعقدة.
ومن أوائل أنظمة الخبراء التي تطورت حتى الآن نظام مايسن Mycin لتحليل وعلاج وأمراض الدم المعدية، ومجال أنظمة الخبراء هو حديث الساعة في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك نظراً لكونها أنجح التطبيقات العملية لهذا العلم الجديد، وتوجد اليوم شركات عديدة تسوق ما يسمى بقشرة أو هيكل النظام Expert Shells وهي أنظمة تسهل عملية تمثيل النماذج المحاسبية وتخزن قوانينها ومن ثم إجراء الاستنتاجات عنها بصورة آلية، وبذلك يتم التركيز على استخلاص المعرفة من الخبير أو الخبراء ووضعها في قوانين ( Rules ) تناسب وأسلوب عمل هيكل النظام المختار، وتسمى هذه العملية بهندسة المعرفة (Knowledge Engineering ) كما يسمى الذين يقومون بها مهندسي المعرفة ( Knowledge Engineers ).
ويوجد حالياً في الأسواق هياكل أنظمة خبراء عديدة تختلف في نقاط تفوقها وضعفها وفي أسعارها ومجالات تطبيقها، كما ظهرت أخيراً هياكل أنظمة تعمل على الحاسب الشخصي وبأسعار مقبولة نسبياً مما يشير إلى قرب وصول هذه الأنظمة إلى الأسواق التجارية بأسعار منافسة.
ولأنظمة الخبراء مجالات معينة أثبتت قدرتها فيه أكثر من غيرها فقد اشتهرت في التخطيط Planning وفي تحليل العوارض وتحديد الأخطاء Diagnostics وفي التصميم Design وفي القيادة والسيطرة Command and Control وغيرها من المجالات المتخصصة التي تم فهم العمليات المطلوبة لها، والتي تتناسب والقدرات التمثيلية والاستنتاجية لهياكل الأنظمة المستخدمة.
المصادر:
- ويكيبيديا
- الهندسة المعلوماتية في سوريا
- الموسوعة العربية للكمبيوتر والانترنت
- موقع الشامسي دوت نت
ساحة النقاش