علم جابر هو علم الكيمياء، الذي نسب قديمًا إلى جابر بن حيان الكيميائي العظيم (المتوفى عام 815 م )، لبراعته وتمكنه من هذا العلم .. ولأنه وضع أسس علم الكيمياء الحديث، وحوَّل هذا العلم من الآراء والنظريات القديمة إلى علم تجريبي له قواعد راسخة وأهداف عملية نافعة، ومعامل، وأدوات.
لقد كانت الكيمياء - قبل جابر - من العلوم المحاطة بالأسرار، فلقد كانت من قديم الزمان قاصرة على الكهنة، لتحويل المعادن الرخيصة إلى معادن غالية نفيسة، ثم عمت فوائدها مع تطور الزمن، وقامت عليها صناعات عديدة.
وكان علم الكيمياء سببًا في قيام صناعات، مثل: التعدين والتحنيط وصباغة النسيج وصناعة الزجاج وصناعة الورق وتحضير الزيوت والعطور، إضافة إلى صناعة الأدوية الكيميائية وتركيب (الترياق) الذي يستخدم في معالجة السموم.
بدأت مرحلة التأليف على يد أول علماء الكيمياء جابر بن حيان الذي توصَّل إلى تحضير الكثير من المواد الكيميائية، وعرَّف خواصها، مثل: نترات الفضة وحمض الخليك المركز، كما يعود إليه الفضل في الربط بين الكيمياء والطب، وألف في ذلك كتاب (السموم ودفع مضارها). كما استخدم طريقة التجريب في الكيمياء.
وله أيضًا كتاب (الإيضاح) الذي فحص فيه آراء القدماء ونظرياتهم وحللها تحليلاً دقيقًا، ثم أدخل تعديلات عليها.
وله كتاب ( الموازين ) الذي درس فيه طبيعة المعادن، و جعل لكل معدن موازين خاصة من حيث التركيب.
ومن أشهر كتبه (الخواص الكبيرة) .. ولقد ترجمت معظم أعماله إلى اللغة اللاتينية التي كانت اللغة الرسمية لأورب، واستفاد الأوربيون من كتبه استفادة كبيرة مكنتهم من التقدم في الكيمياء إلى الدرجة التي وصل إليها في العصر الحديث.
ومن أبرز الكيميائيين بعد جابر تلميذه - الطبيب الملقب بجالينوس العرب - أبو بكر الرازي (المتوفى 952 م)، الذي ألف في الكيمياء كتاب (الأسرار) .
وأهم إنجازاته في هذا العلم ربط الكيمياء بالطب والصيدلة، والبحث في التفاعلات الكيميائية والفيزيائية الناتجة عن تأثير الدواء في الجسم، كما أنه حضَّر الكحول من مواد سكرية ونشوية متخمرة، وكان يستعمله لاستخراج الأدوية .
ولقد ترجمت كتب الرازي في الكيمياء إلى اللغات الأوربية مثل كتب جابر، فساهما في أن أصبح علم الكيمياء تجريبيًا يقوم على أساس علمي سليم بعيدًا عن الغموض والطلاسم التي كانت تحيط بالكيمياء القديمة، أو فن الصنعة كما كانوا يسمونه.
ويضاف إلى هذين العالمين علماء آخرون ساهموا في تغيير صورة الكيمياء من السحر والدجل والشعوذة إلى علم ذي أساس متين . . فهناك أبو الريحان البيروني ( المتوفى 1048 م ) صاحب كتاب (الجماهر في معرفة الجواهر)، الذي تكلم فيه عن الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها من المعادن، وحدد صفاتها وخواصها الطبيعية والكيميائية، كما بيَّن أماكن وجود خاماتها، وطرق استخراجها من هذه الخامات، وشرح الطرق الكيميائية التي حضَّر بواسطتها بعض المركبات. ويعتبر هذا الكتاب مرجعًا مهمًا في علوم المعادن والبلورات والكيمياء.
وهناك أيضًا عز الدين الجِلْدَكي، وهو أول من فصل الذهب عن الفضة بواسطة حامض النيتريك الذي يذيب الفضة ويترك الذهب، وهي طريقة لا تزال مستعملة في فصل المعادن الثمينة عن المعادن الرخيصة.
كما أنه أول من توصَّل إلى أن المواد الكيميائية لا تتفاعل مع بعضها إلا بأوزان معينة، فوضع بذلك أساس قانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيميائي. ومن كتبه كتاب: (التقريب في أسرار التركيب) الذي يعد موسوعة علمية شملت الكثير من البحوث والنظريات الكيميائية.
إننا نجد في كتب الكيميائيين المسلمين معلومات عن الكيمياء لم يسبقهم إليها أحد في الأزمنة السابقة لهم، فلقد أجادوا طرق الصهر والإذابة والترشيح والتبلور والتقطير، كما عرفوا مركبات جديدة، وكانت لديهم كذلك معرفة بأكسدة الفلزات. ويرجع تفوقهم على سابقيهم إلى استخدام التجارب العملية في دراسة الطبيعة، بينما اعتمد السابقون على التأملات فقط .. وكان هذا أهم ما غيَّر به المسلمون تاريخ علم الكيمياء .
ساحة النقاش