يعكف الخبراء والباحثون في السنوات الأخيرة على بحث ظاهرة انبعاث الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، والتي تعد قضية بالغة الأهمية، من أجل تجنب بلوغ مراحل خطيرة في التغير المناخي.
ولذا فعلينا أن ندير بفاعلية عمليات اشتغال أنظمة كوكب الأرض الرئيسية، ونحتاج إلى القيام بذلك اليوم وليس غداً؛ ففي هذه المرحلة التحضيرية التي تسبق المفاوضات الدولية حول المناخ العالمي، من السهل أن نخرج بانطباع واسع بأننا ما دمنا نقوم بخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فإننا بمأمن من الأخطار والكوارث، إلا أن القرائن العلمية المتراكمة تشير إلى أن هذا الأمر بعيد الاحتمال إلى أقصى الحدود.

لعقود طويلة سادت الفكرة القائلة بأن التغيرات المناخية إنما تحدث على نحو تدريجي، وفي اتجاه خطي يمكن توقعه، بيد أن الأدلة العلمية تشير إلى أن هذا التغير التدريجي قد يكون الاستثناء، وليس القاعدة، أن فترات التغير المناخي الطويلة الأمد يمكن أن تدفع بنا في النهاية إلى مراحل يحتمل أن تحدث فيها تغييرات مناخية مفاجئة وكارثية.

ولكن في الحقيقة، لم يعد في وسعنا بعد الآن أن نستثني احتمال أننا نمر عبر عتبات حرجة للغاية على المستوى الكوكبي، يجري فيها تعريض القدرة التنظيمية الذاتية لكوكب الأرض لأخطار مدمرة، تلك القدرة التي مكنته من البقاء في حالة جيدة ومستقرة، ووفرت البيئة المناسبة لتطور الحضارات والمجتمعات البشرية، وذلك على مدى أكثر من 10 آلاف عام مضت.

وبالمقارنة مع الـ200 ألف سنة الأخيرة التي عاشها الإنسان على سطح الأرض، وهام فيها على وجه؛ فقد اتسمت تلك المرحلة بالاستقرار التام من الناحية البيئية، مانحة البشرية الشرط المناسب للتطور الذي نعرفه بظلاله، بدءاً من نشوء الزراعة وانتهاءً بالمجتمعات الصناعية اليوم.

التعرف على أنظمة كوكب الأرض، والطريقة التي تعمل بها وتحديد العتبات البيولوجية والفيزيائية، التي إن تم تجاوزها قد تؤدي إلى تغيرات بيئية غير مقبولة بالنسبة للبشرية: مثل فقدان الكتل الجليدية، وتآكل الغابات، وتخريب واسع للشُّعَب المرجانية في المناطق المدارية، فضلاً عن تصحر الأراضي الزراعية، وتغير مواسم الأمطار في إفريقيا والهند.
وفي مقابل كل نظام كشفنا عنه اقترحنا أيضاً مجموعة من الحدود الكوكبية، التي يتعين احترامها وعدم تخطيها، وذلك للتقليل من خطر تجاوز العتبات الخطيرة والانتقال إلى حالة غير مريحة بالنسبة إلى كوكب الأرض، قد تنجم عنها كوارث تهدد الحياة الإنسانية على هذا الكوكب.

وفي هذا السياق تم تحديد تسعة أنظمة للأرض ينبغي الاهتمام بها، وهي:

  •     التغير المناخي
  •     استنزاف غشاء الأوزون (الطبقة العليا من طبقة الأوزون)
  •     التغيرات في وسائل استخدام الأراضي
  •     استخدام الماء الصالح للشرب
  •     معدل فقدان التنوع البيولوجي
  •     ارتفاع ملوحة المحيطات
  •     كميات النتروجين والفوسفور في الجو والمحيطات
  •     التلوث الجوي
  •     التلوث الكيماوي.


ترتكز النظرية العلمية على المفهوم الجديد الذي يقول إنه ما دمنا ضمن الحدود المرسومة لأنظمة اشتغال كوكب الأرض، فإننا نضمن لأنفسنا فترة أطول من التطور البشري على سطح الكوكب، ولو فعلنا ذلك، فسنكون قادرين على ضمان الاستقرار على كوكب الأرض على الأقل لمدة عشرة ألاف سنة أخرى، موفرين بذلك فرصاً واسعة سيتمكن فيها العالم من تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي كبير.
وبالطبع يشكل التغير المناخي واحداً من الحدود التسعة التي يتعين الاهتمام بها، وهنا نرجع إلى العلوم المناخية التي تؤكد الحاجة إلى ضبط تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو في حدود 350 جزءاً من المليون، وذلك لتجنب حدوث تغيرات متسارعة وغير خطية في المناخ العالمي سيكون لها عواقب وخيمة على سلامة كوكب الأرض. والحال أننا اليوم وصلنا إلى 390 جزءاً من المليون.
لكن عندما يتعلق الأمر بالتغير المناخي أظهرت الأبحاث أنه مع التركيز على خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري دون وضع الآليات الضرورية للحفاظ على سلامة (مخازن الكربون الطبيعية) الموجودة حالياً، سواء في المحيطات أم في الأرض، فإننا لن نتمكن من تحقيق مكاسب فيما يتعلق بخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
 فحتى اليوم قامت الطبيعة بدور كبير في حمايتنا وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، إذ من المعروف أن الغابات والمحيطات وفرت مخازن طبيعية للغاز المضر، وذلك عبر امتصاصها 50 بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، لكن قدرة الطبيعة على تخزين ثاني أكسيد الكربون بدأت في التآكل بسبب ارتفاع درجة الحرارة والزيادة في نسبة ملوحة المحيطات، ناهيك بالاستخدام السيئ للأراضي.
إذن فتجاوز حدود النيتروجين والأرض والماء والمحيطات والأوزون والتنوع البيولوجي سيهدد قدرتنا على ضمان فضاء آمن للحياة والدليل على ذلك أن الماء العذب يحدد نمو الكتلة الحيوية، كما أن حجم الكربون الذي تخزنه الأشجار والنباتات يحدد أيضاً كمية المواد العضوية، وبهذا المعنى، لا يمكن الاعتماد فقط على خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري لإحداث التغيرات المطلوبة، بل لابد من التركيز على مجمل الأنظمة البيئية المرتبطة بعضها مع بعض.

المصدر: جريدة النور/ ترجمة: عادل بدر سليمان، نقل بتصرف
yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 151/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
51 تصويتات / 1710 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر