إن السؤال المركزي الذي كان ولا يزال يحرك الجهود الفكرية والاجتماعية والسياسية المتعلقة بالمرأة والإعلام لا يتعلق أساسا بطبيعة المخرجات الإعلامية التي تقدم المرأة في أطر سلبية، بل يدور في معظمه حول العوامل والمتغيرات التي تقود لبناء تلك الصورة السلبية.

فالمهم هو أن نفهم أسباب هذه الظاهرة قبل الشروع في التفكير في البحث عن حلول لها، وإلا أصبحت الجهود التي نقوم بها لا تستند إلى قراءة علمية ودقيقة للواقع الذي نبحث فيه.  ولا شك أن العديد من البحوث في العلوم المعرفية المتداخلة Interdisciplinary Fields قد لامست بعض الجوانب المتعلقة بهذه الظاهرة الاجتماعية الثقافية، وخرجت باستنتاجات مهمة ترى أن إصلاح صورة المرأة في الإعلام هي عملية متعددة الجوانب والأبعاد، وبالتالي فهي متعددة الحلول والطروحات. فهي ظاهرة تمتد جذورها في القيم والتقاليد الاجتماعية الموروثة التي لا تنظر للمرأة على أنها كيان إنساني واجتماعي مكافئ للرجل، مثلما أنها مشكلة ثقافية أفرزتها الظروف الاقتصادية التي تواجه المرأة في المجتمعات العربية المعاصرة، بما فيها انتشار الأمية، وعدم تكافؤ فرص العمل، وتزايد الضغوط لإبقاء المرأة محاصرة في إطار فضاء اجتماعي محدد سلفاً وفق معايير مغلوطة.  إن الأمر ببساطة يتعلق بكون المؤسسات الإعلامية ليست سوى امتداد لمنظومة اجتماعية ثقافية تراكمت تفاصيلها عبر قرون كثيرة، لتفرز هذا الإرث الاجتماعي والثقافي الذي يحرك اتجاهات المجتمع ويؤطره نحو النساء.
ولعل هذا الاستنتاج يطرح تساؤلات جمة عما يمكن القيام به لتصويب الوضع القائم. فمن أين نبدأ يا ترى؟ هل نبدأ بالمجتمع ونشرع في إصلاحه من خلال برامج إستراتيجية تقود في نهاية المطاف إلى إحداث تطور اجتماعي وثقافي تتلاشى من خلاله الاتجاهات السلبية نحو المرأة مما ينعكس إيجاباً على المخرجات الإعلامية؟ هل نبدأ بالمؤسسات الإعلامية ذاتها ونعمل على إصلاحها بشكل يضمن لنا الحد الأدنى من التعامل السوي مع قضايا المرأة في المجتمع؟ ولعل السؤال الثاني ينطلق من أطروحة تقول إن وسائل الإعلام تعمل على تسليع وتشييئ المرأة ليس لأنها تقوم بتجسيد عادات وتقاليد بالية، بل لأنها تعمل على استغلال المرأة لتحقيق الأرباح التجارية، وبخاصة في عصر العولمة الذي لا يمت بصلة لروح التقاليد العربية الإسلامية بمفهومها الصحيح.

وإذا ما أخذنا بالاعتبار ما تقوم به وسائل الإعلام من بناء الوجدان وتشكيل الرأي العام وبلورة الاتجاهات نحو القضايا التي تهم المجتمع، فإننا سندرك النتائج السلبية التي ستتمخض عن بروز صورة سلبية لنصف المجتمع في وسائل الإعلام بالنسبة للتنمية في أوجهها المختلفة ولا بد من التأسيسي لتشابك أكبر مع الكيانات المؤسسية المختلفة من أجل تحقيق أهداف هذا المشروع.  ومن ناحية أخرى، فإن تعقيدات هذه الظاهرة وتشعباتها المتنوعة هي أمور لا يجب أن تجعلنا نشعر باليأس تجاه الفرص المتاحة للتخفيف من وطأتها، حيث أنه لا يمكن الحديث عن حل سحري لها، بل إن أي توجه للتعامل معها لا بد أن يستند إلى برامج متنوعة القطاعات وبعيدة المدى تعمل جنبا إلى جنب بشكل متواز لرفع مستوى الوعي الاجتماعي بالدور المركزي للمرآة في المجتمع، وتحويل هذا الوعي المتقدم إلى مخرجات إعلامية متطورة، تضع صورة المرأة في سياقها الصحيح بعيدا عن الإثارة والتسليع، والقيم المستهلكة.

إن الصورة السلبية التي قدمت وتقدم فيها المرأة العربية في وسائل الإعلام الجماهيري في المنطقة العربية والمبادرات الواجب إطلاقها للتخفيف من حدة السلبية في تلك الصورة تمهيدا لإزالتها هي الموضوع الرئيسي لهذا الوثيقة. 

ولابد من التأكيد أن تقديم المرأة العربية بالشكل الذي يليق بها في وسائل الإعلام العربية لن يتحقق بين عشية وضحاها، مثلما أنه لن يتحقق نتيجة لجهد فردي تقوم به جهة بعينها، بل هو عملية تثقيفية وتوعوية وتربوية متكاملة تشارك بها جميع قطاعات المجتمع، وتعمل على تعزيز الوعي السليم بدور المرأة وبمركزيتها في البناء والتطور كمرحلة أولى تمهد لتحول هذا الوعي الجمعي إلى مضامين إعلامية هادفة، تنصف النساء في الوطن العربي وتمنحهن المكانة المرموقة التي يستحقونها.  ومن هنا، فإن مخطط المشروع الذي تتضمنه هذه الوثيقة يستند إلى نظرة واقعية لهذه القضية، وفهم عميق لطبيعة المشكلة، بشكل بعيد عن الإثارة والتضخيم، من خلال منهج علمي سليم يعالج هذه الظاهرة من جوانبها المختلفة، وهي بالتأكيد ليست مشكلة إعلامية بقدر ما هي مشكلة ثقافية واجتماعية تحتاج لحلول اجتماعية قبل أن نتحدث عما يمكن للمؤسسات الإعلامية أن تقوم به للتخفيف من حدتها، فالمؤسسات الإعلامية ليست في نهاية المطاف سوى جزء من الكيانات الاجتماعية والثقافية السائدة، ولا يمكن لها أن تعمل بمعزل عنها. ولا يعني هذا الأمر بأي شكل من الأشكال تبرئة المؤسسات الإعلامية مما تقدمه من صور سلبية للمرأة العربية، بل تحاول أن تضع الإصبع على الجرح، لتشخيص أسباب الداء والبحث عن الدواء. فالداء هو اجتماعي وثقافي بالدرجة الأولى، وتجلياته الإعلامية ليست سوى مظاهر للمشكلة لا أكثر.

تحليل الموقف:

لقد كان إطلاق الأمم المتحدة "للعقد العالمي للمرآة" في عام 1975 يمثل واحدا من المعالم المبكرة التي صبغت تعامل المنظمة الدولية مع أوضاع النساء في العالم في قطاعات متنوعة، يعد القطاع الإعلامي أبرزها.  وفي عام 1981، اتخذت الأمم المتحدة خطوات أخرى نحو تكريس الاهتمام بدور المرأة من خلال تبني "اتفاقية منع كل أشكال التمييز ضد المرأة" The Convention on the Elimination of all Forms of Discrimination Against Women (CEDAW) حيث وقع على هذه الاتفاقية أكثر من ثلثي الدول ذات العضوية في الأمم المتحدة.  ويشير البند الخامس من الاتفاقية إلى مشكلة تنميط صورة المرأة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، داعيا جميع الدول الأعضاء لاتخاذ الإجراءات المناسبة للقضاء على الممارسات المستندة إلى صور مقولبة "نمطية" Stereotypes وجامدة لأدوار الرجال والنساء في العالم المعاصر.  ويطالب البند (18) الدول الأعضاء بتزويد الأمم المتحدة بتقارير دورية حول أوضاع النساء في كافة القطاعات، بما فيها قطاع الإعلام والاتصال.  وفي هذا الإطار، وضمن مراجعتها لأوضاع المرأة المصرية، لاحظت اللجنة المكلفة بمراقبة تلك الأوضاع حدوث تطورات بارزة تخص المرأة في المجال الإعلامي، رغم القلق الذي أبدته اللجنة من استمرار التقديم النمطي للمرآة في وسائل الإعلام، وهو ما يشجع على التمييز ضدها.

ولا بد من الإشارة هنا إلى الأدوار التي لعبتها المؤتمرات العالمية الخاصة بالمرأة في كوبنهاجن (1980) ونيروبي (1985) وبكين (1995) في الترويج لمعالجة إعلامية أكثر إيجابية لصورة المرأة. ففي "مؤتمر المرأة" الذي عقد في بكين عام 1995، كانت الصور الإعلامية السلبية للمرأة تقع في أعلى سلم أواويات الوفود المشاركة، حيث تبنى المؤتمر برنامجا سمي بمنصة العمل في بكين Beijing Platform of Action حدد فيها اثنا عشر مجالا مثيرا للقلق فيما يخص وضع المرأة، من بينها المجال الإعلامي، حيث لاحظ المشاركون وجود فرص غير متكافئة أمام المرأة تعيق قيامها بلعب بدور ذي معنى في الحياة العامة للمجتمعات المعاصرة.  وتضمن البند (J) من البرنامج هدفين استراتيجيين فيما يتعلق بوسائل الإعلام: الأول، ويتمثل في الترويج لعرض متوازن وغير متحيز ضد المرأة في وسائل الإعلام، والثاني في زيادة مستويات مشاركة المرأة في العمل الإعلامي، وفي استخدام التقنيات الاتصالية الحديثة.

إن دلالة مؤتمر بكين تكمن في التركيز على علاقة المرأة بوسائل الإعلام في محاوره الرئيسية، حيث أكد على أهمية تولي المرأة العديد من مناصب صناعة القرارات الإعلامية، ودعا إلى إنشاء  شبكات إعلامية محلية وقومية وعالمية خاصة بالمرأة لضمان التدفق الدولي للمعلومات، وتبادل الآراء، ومساندة جهود المنظمات النسوية في العمل الإعلامي.  وركز المؤتمر كذلك على أهمية استثمار وسائل الاتصال الحديثة من شبكة الإنترنت والوسائط المتعددة في النهوض بالمرأة وتطوير أدائها المهني.

وفي الثامن عشر من يونيو 2006، أطلق "تقرير المرأة العربية والإعلام" ليكون أول جهد علمي يؤسس لقراءة أكثر علمية وموضوعية حول قضية المرأة العربية والإعلام . ورغم أن دلالة التقرير لا تنبع من أي جديد أتى به في تعريف واقع المرأة العربية والإعلام، فإن أهميته الكبرى تتمثل في كونه يضع بين أيدينا نتائج مجموعة كبيرة من الدراسات المستندة لمنهج تحليل المضمون والمسح الميداني ومناهج أخرى في محاولة لمساعدتنا على قراءة الواقع الإعلامي المعاش كما أبرزته تلك البحوث والدراسات. 
فهذا النوع من التقارير يقدم لنا بيانات مفيدة في تقصي الواقع ومعرفة تفاصيله قبل المباشرة في أي عملية إصلاحية سواء على مستوى المحتوى الإعلامي أو المرأة الإعلامية العاملة أو على مستوى السياسات والمؤسسات الإعلامية.  لقد جاءت نتائج البحوث المدروسة في معظمها متصلة بصورة المرأة في وسائل الإعلام أكثر مما كانت متصلة بالمرأة المنتجة أو المستهلكة للمواد الإعلامية.  ومن الاستنتاجات التي رصدها التقرير أن المرأة قدمت على أنها فاسدة الأخلاق والعقل والطباع، وجاهلة وضيقة الأفق، بالإضافة إلى كونها مستضعفة.  كما قدمت المرأة على أنها جسد تقدم كشابة لا يعنيها إلا مظهرها أو بدينة قبيحة، مثلما أنها انتهازية وراشية ومرتشية، إضافة إلى تقديمها على أنها أخت أو ابنة تدور في فلك الرجل، ولا يعنيها الشأن العام.، ومن ناحية أخرى، فهناك صور إيجابية استخلصتها البحوث في وسائل الإعلام العربية تمثلت في كون المرأة عاملة وقادرة على القيادة ومشاركة في الشأن العام ومتعلمة ومتفوقة، وذات أخلاق عالية ومناضلة.  أما بالنسبة لواقع المرأة الإعلامية، فقد رصد التقرير نتائج بحوث متنوعة أفادت بأن المرأة الإعلامية موضوعية وملتزمة وتساهم في نهضة المجتمع، غير أنها لا تكلف إلا بأعمال ثانوية، كما أن حضور المرأة الإعلامية في وسائل الإعلام مهم، لكنه غير كاف لوحده، مثلما أن حضور المرأة الإعلامية في مراكز القرار الإعلامي ضئيل رغم أنه ارتفع في بعض المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية.  واستنتجت بعض الدراسات أن انحسار عدد الإعلاميات يعود إلى كونهن إناثا وإلى افتقارهن للثقافة المجتمعية، كما تبين وجود علاقة وطيدة بين وضع الإعلاميات ووضع قطاع الإعلام ككل في البلدان العربية.

المصدر: المصدر: جزء من دراسة "دور الإعلام في تعزيز مكانة المرأة في المجتمع"/ د. حنان يوسف.
yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 349/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
120 تصويتات / 10001 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر