المقدمـــــــة

1 - تزايدت وتيرة وحدة الكوارث ذات الصلة بالعواصف خلال العقد الماضي. فالرياح العاتية التي تصاحب العواصف الاستوائية وما ينجم عنها من فيضانات تتسبب في تأثيرات مدمرة للغاية على الزراعة. وعلى الرغم من أن حدة الأعاصير ربما لم تشهد أي تغيير، في المتوسط، خلال العقود الثلاثة الماضية، يبدو أن وتيرتها في تزايد مستمر. وعلاوة على ذلك، فإن الدمار الذي تحدثه العواصف الاستوائية تزايد بشدة خلال التسعينات راجعا في جزء منه إلى تزايد أعداد السكان في المناطق المعرضة للعواصف.

2 - ويبين أحد التقارير عن الكوارث العالمية الصادر عن الاتحاد الدولي للصليب الأحمر أن العواصف العاتية والكوارث ذات الصلة بالفيضانات خلال الفترة 1990-1999 قد تسبب في 60 في المائة من مجموع الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية (أنظر الشكل)(1). كما تعزى نسبة كبيرة من خسائر الكوارث من حيث الموتى والجرحى والمشردين من منازلهم وسبل معيشتهم إلى العواصف والفيضانات.

3 - وعلى الرغم من تحسن عمليات التنبه إلى الفيضانات والإنذار بالأعاصير، شهدت السنوات العشر الأخيرة زيادة بنسبة 300 في المائة في إعداد الأفراد المتضررين من الفيضانات والعواصف. وفيما بين 1973 و1997 حصدت الدوامات الهوائية الشديدة والزوابع والأعاصير الاستوائية، والتيفونات والأعاصير في المتوسط، أرواح نحو 000 11 نسمة سنويا، وشردت أكثر من 1و1 مليون نسمة(2). وفي بنغلاديش، وحدها، أودت ثلاث عواصف وأربعة فيضانات ورياح تسونامية واحدة، واعصارين بحياة أكثر من 000 400 نسمة وألحقت أضرارا بنحو 42 مليون نسمة آخرين خلال هذه الفترة(3).

4 - وتشير تقديرات معهد المراقبة العالمي إلى أنه خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 1998، تسببت الكوارث ذات الصلة بالأحوال الجوية في خسائر اقتصادية تزيد قيمتها عن 89 مليار دولار (مقابل 55 مليار دولار خلال الثمانينات) وأسفرت عن مصرع 000 32 نسمة وتشريد 300 مليون نسمة من منازلهم ونظم معيشتهم (4). وتعزى معظم الكوارث التي وقعت في 1998 بما في ذلك الفيضانات التي لم يسبق لها مثيل في الصين وبنغلاديش والإعصار ميتش في أمريكا الوسطى إلى ظاهرتي النينيو ونينيا. وعلى الرغم من عدم توافر تقديرات كمية تجميعية، فإن التكاليف الاقتصادية للكوارث ذات الصلة بالعواصف في 1999 و2000 كانت أيضا ضخمة. فعلى سبيل المثال، فإن التكاليف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للفيضانات في موازمبيق الناجمة عن العاصفتين الاستوائيتين "الين" و "جلوريا" في فبراير/ شباط، ومارس/ آذار 2000 تقدر بنحو مليار دولار مقابل عائدات هذا البلد من التصدير التي لم تتجاوز 300 مليون دولار في 1999. ويؤدي الموقع الجغرافي، وصغر المساحة، وضعف الاقتصاد إلى جعل الدول النامية الجزرية الصغيرة أكثر تعرضا من غيرها لكوارث الأحوال الجوية، لأنه عندما تقع الأضرار، فإنها سرعان ما تشمل البلد بأكمله. ويجرى الإحساس بأضرار الكوارث ذات الصلة بالعواصف على النشاطات الاقتصادية وموارد الأرض الطبيعية بأكثر مما يشعر بها في البلدان الأخرى.

5 - وتستعرض هذه الورقة تأثيرات كوارث العواصف الاستوائية في البلدان النامية، وتقدم استراتيجية للحد من تعرض الزراعة لهذه الكوارث. كما تقدم الورقة، ضمن الإطار العام للاستراتيجية، توصيات، للعرض على لجنة الزراعة للنظر، بشأن الموافقة على هذه الاستراتيجية وتنفيذها في البلدان المعرضة للعواصف والفيضانات مع توضيح الأعمال التي تتخذها البلدان المعنية ومنظمة الأغذية والزراعة والمجتمع الدولي.



 

طبيعة ونطاق الكوارث الأخيرة ذات الصلة بالعواصف الاستوائية



 

ألف: طبيعة العواصف

6 - العاصفة تعبير عام يستخدم في وصف طائفة عريضة من الاضطرابات الجوية التي تتراوح بين رخات المطر العادية والعواصف الثلجية إلى العواصف الرعدية والرياح والاضطرابات ذات الصلة بالرياح مثل الزوابع والتورنادو والدوامات الهوائية الاستوائية والعواصف الرملية. ويقتصر وصف العواصف الاستوائية في علم الأرصاد على الأعاصير التي لها مركز ضغط منخفض قوي، والرياح العاتية التي تصاحبها الأمطار الغزيرة والبرق والرعد في بعض الأحيان(5).

7 - وتستخدم منظمة الأرصاد الجوية العالمية تعبير "الأعاصير الاستوائية" لتعريف الاضطرابات الجوية التي تنشأ في المناطق البحرية الاستوائية التي تتجاوز فيها سرعة الرياح 73 كيلومترا في الساعة. وتسبق الدوامات العاتية والعواصف الاستوائية اضطرابات ومنخفضات تنخفض فيها سرعة الرياح. وعندما تتجاوز سرعة الرياح 119 كيلومترا في الساعة تصل العاصفة إلى قوة الإعصار (أنظر الإطار رقم 1). وللعواصف الاستوائية المصحوبة برياح شديدة القوة أسماء مختلفة بحسب المناطق التي تقع فيها، ففي المحيط الأطلسي وشرقي المحيط الهادي تعرف باسم الدوامات الشديدة "الهريكان"، وفي غربي المحيط الهادي بما في ذلك الفلبين، بالتيفون، وفي المناطق القريبة من أستراليا بويلي ويلي، وفي المحيط الهندي بالإعصار.

الإطار رقم 1: مراحل الإعصار الاستوائي

الاضطرابات الاستوائية: نظام للأحوال الجوية يؤدي في مناطق معينة إلى ظهور السحب المصحوبة برخات المطر والعواصف الرعدية.

المنخفض الاستوائي: دوامات هوائية تسير بعكس عقارب الساعة بحد أقصى مستمر من سرعة الرياح أقل من 63 كيلومترا في الساعة.

العواصف الاستوائية: نظام إعصاري استوائي تزيد فيه السرعة القصوى للرياح السطحية المستمرة على 63 كيلومترا إلا أنها تقل عن 119 كيلومترا في الساعة.

الإعصار: إعصار استوائي تزيد فيه سرعة الرياح على 119 كيلومترا في الساعة.

المصدر: مساهمة إدارة البيئة والموارد الطبيعية في ورقة لجنة الزراعة، أكتوبر/ تشرين الأول 2000.



 

باء : المناطق المعرضة للعواصف الاستوائية وحوادث العواصف الأخيرة

8 - أحواض الأعاصير الاستوائية السبعة: هناك سبعة "أحواض" للأعاصير الاستوائية تحدث فيها العواصف بصورة منتظمة (6):

1.  الحوض الأطلسي (بما في ذلك شمال المحيط الأطلسي وخليج المكسيك والبحر الكاريبي) - وتشمل أمثلة العواصف التي حدثت مؤخرا:

o    إعصار جورج في سبتمبر/ أيلول 1998 الذي أصاب الجمهورية الدومينيكية وكوبا وهايتي، وسان كيتس ونيفيس ودومينيكا، وأنتيغوا وباربودا.

o    إعصار ميتش في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول وأوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 1998 والذي ضرب نيكاراغوا وهندوراس والسلفادور وغواتيمالا وتسبب في مصرع نحو 000 20 نسمة. وفي 1998، قدرت الأضرار الكاملة التي لحقت بالمحاصيل في الجمهورية الدومينيكية بنحو 278 مليون دولار، وتعرض ثلث المساحة المزروعة للدمار. وفي كوبا تضرر 70 في المائة من المساحة المزروعة بالموز البلانتين و60 في المائة من تلك المزروعة بمحاصيل الجذور مع تعرض منشآت الري لأضرار جسيمة. وفي هايتي، تعرض أكثر من 12-20 في المائة من المحاصيل المزروعة و80 في المائة من مزارع الموز و000 100 من رؤوس حيوانات المزرعة الصغيرة لأضرار. وحدثت خسائر جسيمة في البنية الأساسية والمحاصيل والحيوانات في نيكاراغوا وهندوراس والسلفادور وغواتيمالا.

o    الإعصار ليني في نوفمبر/ تشرين الثاني 1999 الذي أصاب العديد من المناطق في البحر الكاريبي، مع ما رافق ذلك من تأثيرات مدمرة على إنتاج المحاصيل والبنية الأساسية الممتلكات.

2.  حوض شمال شرق المحيط الهادي (من المكسيك حتى نحو خط التاريخ) - وقعت العواصف الاستوائية في المحيط أساسا. وتشمل الأمثلة الأخيرة:

o        إعصار دورا في أغسطس/ آب 1999؛

o        إعصار كارلوتا في يونيو/ حزيران 2000.

3.  حوض شمال غرب المحيط الهادي (من خط التاريخ إلى آسيا بما في ذلك بحر الصين الجنوبي) - تشمل العواصف والفيضانات التي وقعت مؤخرا مايلي:

o    في نوفمبر/ تشرين الثاني 1991، التيفون تيلما الذي أصاب الفلبين وتسبب في مصرع نحو 000 6 نسمة؛

o        في 1996 سلسلة من التيفونات في لاوس والفيضانات في كمبوديا؛

o        في 1997 التيفون ليندا الذي أصاب فيتنام وتسبب في مصرع نحو 000 4 نسمة؛

o    في 1998 الفيضانات واسعة النطاق في وسط وجنوب شرق وشمال شرق الصين حيث لحقت الأضرار بنحو 22 مليون هكتار تعرض 4.8 مليون هكتار منها للدمار؛

o        في 1999 الفيضانات الغزيرة في فيتنام؛

o    في عام 2000 العواصف والفيضانات الغزيرة في أكتوبر/ تشرين الأول في كمبوديا التي تسبب في أسوأ أضرار تتعرض لها البلاد منذ 70 عاما حيث دمر 000 270 هكتار من الأرز، وفي سبتمبر/ أيلول من نفس العام التيفون ووكونج في لاو.

4.  حوض شمال المحيط الهندي (بما في ذلك خليج البنغال وبحر العرب) - وتشمل العواصف والفيضانات الأخيرة:

o    في أغسطس/ آب - سبتمبر/ أيلول 1998، وقعت ثلاثة فيضانات رئيسية في بنغلاديش (مصرع 000 3 نسمة وخسارة 10 في المائة من إنتاج الأرز)؛

o    وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1999، أسوأ إعصار منذ نحو 30 عاما يصيب ولاية أوريسا في الهند (مصرع 000 10 نسمة وتعرض كميات ضخمة من الحبوب المخزونة للدمار والفيضانات تجتاح مليون هكتار من الأراضي)؛

o    في أغسطس/ آب - سبتمبر/ أيلول 2000 الفيضانات الغزيرة في بنغلاديش وفي يوليو/ تموز - سبتمبر/ أيلول 2000 الفيضانات الغزيرة تجتاح الهند ونيبال.

5.  حوض جنوب غرب المحيط الهندي (من أفريقيا وحتى خط عرض 100 درجة شرقا) - كانت أوضاع العواصف هادئة نسبيا في السنوات الأخيرة باستثناء الفيضانات الضخة التي وقعت في جنوبي أفريقيا في 1998. وتشمل العواصف والفيضانات التي حدثت مؤخرا ما يلي:

o        في 1997، إعصار جيتيللا في أواخر فبراير/ شباط، في مدغشقر؛

o    في 1998 فيما بين فبراير/ شباط وأبريل/ نيسان 2000 فيضانات واسعة النطاق ترتبط أساسا بالأعاصير ليون - الين وجلوريا وهداه (وقد تباينت الأضرار التي لحقت بالمحاصيل من بلد لآخر. ففي موزامبيق قدرت الخسائر في الإنتاج المحصولي بنحو 000 98 طن من الحبوب والفاصوليا، وقدرت الأضرار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة بنحو مليار دولار. وفي مدغشقر، تضرر 000 142 هكتار من الأرز و000 5 هكتار من الذرة و400 2 هكتار من الكسافا و000 33 هكتار من محاصيل التصدير. وكانت البلدان الأخرى في الإقليم التي تضررت من الفيضانات والعواصف هي بوتسوانا وجنوب أفريقيا وسوازيلند وزمبابوي وزامبيا)؛

o        في 2000 السيول الغزيرة المرتبطة بظاهرة النينيو في الصومال.

6.  حوض جنوب شرق المحيط الهادي، أستراليا (100 درجة إلى 142 درجة شرقا) - حالات العواصف والفيضانات الأخيرة بما في ذلك إعصار ستيف في فبراير/شباط 2000 والإعصار تيسي في أبريل/ نيسان 2000.

7.  حوض أستراليا/ جنوب غرب المحيط الهادي (142 درجة شرقا إلى نحو 120 درجة غربا) - حدثت العواصف الاستوائية في المحيط بالدرجة الأولى.

8.  ويبين تحليل للبيانات الإحصائية وجود ارتباط بين نشاط العواصف الاستوائية وظاهرتي النينيو والنينيا. ففي المحيط الأطلسي، كبحت الأحوال الجوية، خلال أحداث النينيو (النينيو/ التقلبات الجنوبية - المرحلة الدافئة) من حدوث الأعاصير الاستوائية وحدتها، في حين زادت نشاطات العواصف الاستوائية خلال أحداث النينيا (التقلبات الجنوبية - المرحلة الباردة). وخلال أحداث النينيو (المرحلة الدافئة) أظهر حوض أستراليا/ جنوب غرب المحيط الهادي تحولا واضحا في نشاطات الأعاصير الاستوائية حيث قل عدد هذه الأعاصير بين 145 درجة و165 درجة شرقا وزاد من 165 درجة شرقا في اتجاه الشرق عبر جنوب المحيط الهادي. كما أن هناك اتجاها طفيفا لأن تنشأ الأعاصير الاستوائية على مسافة أبعد قليلا من خط الاستواء. ويحدث العكس خلال أحداث النينيا (المرحلة الباردة).

9.  ونظرا لأن الاتجاهات الأخيرة في حدوث العواصف قد تستمر، فإن التحدي الأعظم يظل هو تلافي و/ أو التقليل إلى أدنى حد من الخسائر الاقتصادية الضخمة والمعاناة البشرية في البلدان المعرضة للعواصف والفيضانات. وتشير دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة للبيئة وجامعة الأمم المتحدة ومنظمة الأرصاد العالمية والاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث بالإضافة إلى المركز القومي للبحوث الجوية إلى أن البلدان النامية ستظل تتعرض لفقد الآلاف من الأرواح البشرية وخسارة عشرات المليارات من الدولارات كل فترة تتراوح بين عامين وسبعة أعوام ما لم يدرس المزيد من الاستثمارات للنهوض بعمليات التنبؤ والاستعداد لظاهرة النينيو الجوية. وتركز الدراسة على البلدان المتضررة من النينيو في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا (7).



 

جيم: أسباب التعرض لكوارث العواصف الاستوائية

11 - يشكل مفهوم التعرض العنصر الرئيسي في تعريف الكوارث ذات الصلة بالعواصف. فالتعرض يتعلق بخضوع أحد المجتمعات لأضرار جسيمة واضطرابات وخسائر نتيجة لحدث خطير(8). وثمة كثير من الأحداث الطبيعية الخطيرة التي لا تسفر عن تطورات. فعلى سبيل المثال، فإن الإعصار لا يتحول إلى كارثة إلا عندما يضرب منطقة آهلة بالسكان توجد بها بنية أساسية ومحاصيل وغابات. وعلى الرغم من أن الكوارث الطبيعية تقع نتيجة لنشوء أحداث خطيرة، فإن النشاطات البشرية تعتبر في غالب الأحيان العامل الرئيسي في حدوث هذه الكوارث.

12 - فالمجتمع الذي يتكيف بطريقة تجعله يواجه العواصف من خلال تدعيم المباني، ونظم الإنتاج الغذائي التي تستطيع أن تواجه العواصف، وتكنولوجيا التحكم في المياه ونظم إنذار السكان ليمكثوا داخل منازلهم قد تتأثر بالعواصف، إلا أن من المستبعد أن يتعرض لأضرار أو خسائر جسيمة. وعلى ذلك، فإن المجتمعات والبلدان التي تتعرض للعواصف الاستوائية أكثر عرضة لتأثيراتها من غيرها من البلدان.

13 - وتقع معظم الكوارث ذات الصلة بالعواصف في البلدان النامية التي لا تملك في كثير من الأحيان الثروة أو البنية الأساسية أو القدرة المؤسسية التي تحمي سكانها من العواصف الاستوائية. والفقراء، في نطاق البلدان النامية، هم الأكثر معاناة من الكوارث ذات الصلة بالعواصف والفيضانات حيث تجبرهم الضغوط الاقتصادية عموما، على العيش في المناطق الخطيرة مثل السهول الفيضية وسفوح التلال غير المستقرة، كما أنهم لا يملكون، إذا ما وقعت الكوارث، الوسائل المالية أو غيرها من الوسائل لحماية أنفسهم من تأثيرات الكوارث أو الانتعاش منها بسرعة أنظر الإطار رقم 2).

14 - وعلاوة على النتائج المباشرة، أي الموتى والجرحى والجوعى والمجاعات، فإن الكوارث تزيد من فقر الفقراء بما تفعله من تدمير للأصول القليلة التي في حوزتهم. كما تدمر العواصف مشروعات التنمية طويلة الأجل وباهظة التكلفة مثل البنية الأساسية للاتصالات وشبكات الري وغيرها من المنشآت الزراعية فضلا عن مصادر الطاقة. وعلى ذلك، فإن الكوارث ذات الصلة بالعواصف تصيب جهود التنمية بالنكسات في البلدان سواء من خلال تدمير النظم ومصادر معيشة الأسر وبنيتهم الأساسية أو بما تسببه من تحويل للموارد الإنمائية لمعالجة عواقب الكوارث.

15 - وتتعرض البلدان النامية، وخاصة أكثرها ازدحاما بالسكان، لوطأة الكوارث ذات الصلة بالعواصف والفيضانات فضلا عن جميع أشكال الكوارث الطبيعية. فهذه البلدان تفتقر إلى الثروة والبنية الأساسية المؤسسية والمادية اللازمة، ولا تستطيع أن تزود سكانها بنفس مستوى الحماية من الكوارث الموجود في البلدان المتقدمة، التي استمرت في طائفة واسعة من تدابير الاستعداد للكوارث والتخفيف من حدتها بما في ذلك التنبؤات العلمية والقواعد الخاصة باستخدام الأراضي، ونظم إدارة الطوارئ واسعة النطاق، والتغطية التأمينية. وعلى ذلك، فإنه عندما تقع هذه العواصف والفيضانات في البلدان النامية يكون حجم وأبعاد الكارثة أكبر بكثير. ففيما بين 1990 و1998، وقع 97 في المائة من الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية في البلدان النامية.

16 - ويبين العديد من الدراسات أن اتساع حجم الكوارث يرجع إلى حد كبير إلى زيادة تعرض السكان للكوارث نتيجة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسكانية والبيئية. فنظرا لزيادة الضغوط السكانية ونقص فرص العمل والدخول البديلة، تضطر أعداد متزايدة من السكان إلى العيش والحصول على سبل معيشتهم من خلال الزراعة والصيد في مناطق معرضة وخطيرة مثل السهول الفيضية والمناطق الساحلية وسفوح التلال غير المستقرة. وفي هذه المناطق، فإن إزالة الغابات على نطاق واسع من جانب السكان المحليين، وهي التي يمكن أن تمثل خط دفاع طبيعي كبير ضد العواصف، تضاعف من شدة الأضرار التي تحدث. فإزالة غابات المنغروف، مثلا، لإقامة الفنادق ومزارع الأربيان التجارية يزيد من تعرض الكثير من المجتمعات المحلية للعواصف.

17 - وما لم تبذل جهود لإدراج تدابير الوقاية من الكوارث في برامج التنمية، في البلدان المعرضة للعواصف، فإن هناك مخاطر من استمرار العلاقات السببية التي لا تنتهي بين الفقر والكوارث في هذه البلدان. إذ أن تعرض البلدان والمجتمعات للكوارث يفرض تحديات خطيرة أمام الهدف الشامل الرامي إلى الحد من الفقر ونقص الأغذية في البلدان النامية.

الإطار رقم 2: تعرض الفقراء للكوارث ذات الصلة بالعواصف

ضحايا الفيضانات في دلتا نهر الميكونج

أظهرت دراسة أجرها مؤخرا الصليب الأحمر في فيتنام عن ضحايا الفيضانات في دلتا نهر الميكونج أن الأسر الغنية استطاعت أن تواجه الفيضانات لأنها تمكنت من رفع أساسات منازلها فوق المستويات العادية للفيضانات. فالأسر الغنية لا تعتمد على الأجور اليومية، واستطاعت أن تواصل نشاطاتها العادية للحصول على قوتها بمجرد انحسار مياه الفيضان. ومن ناحية أخرى، فإن الفقراء المعدمين عجزوا عن حماية منازلهم وسبل معيشتهم، وتضرروا بصورة جسيمة نتيجة لتوقفهم عن العمل كعمال يومية في قطع الحطب وجمع الخضر البرية.

التأثيرات المختلفة للأعاصير في ولاية أندرا براديش الهندية

كما بينت دراسة حالة بشأن التأثيرات النسبية للأعاصير على أسرتين غنية وفقيرة كانتا تعيشان على بعد 100متر من بعضها البعض بالقرب من ساحل أندرا براديش في جنوبي الهند، أما التأثيرات فكانت أكثر حدة على الأسرة الفقيرة. فقد كان لدى الأسرة الغنية منزل من طوب، وستة حيوانات، وأكثر من هكتار من الأراضي وتمتلك مشروعا صغيرا للحبوب وسيارة نقل. أما الأسرة الفقيرة، فإن منزلها كان من القش والأعمدة، وكانت تمتلك ثورا وبقرة صغيرة وأقل من نصف هكتار من الأراضي الرديئة. وعندما وقع الإعصار، تلقى رب الأسرة الغنية تحذيرات عبر جهاز الراديو الذي يملكه، وغادر المنطقة مع أسرته وأشيائه الثمينة في السيارة النقل التي يملكها. ولم يؤد هبوب العاصفة إلا إلى إحداث أضرار جزئية بمنزله، حيث أطاحت الرياح بسقف هذا المنزل. وتعرض ثلاثة من حيواناته للغرق، واجتاحت الفيضانات حقوله ودمرت محاصيله. أما الأسرة الفقيرة فقد فقدت أحد صغارها غرقا في مياه الفيضان، وتعرض منزلها للدمار، وغرقت الحيوانات التي تملكها، واجتاحت الفيضانات حقلها ودمرت محاصيلها. واستخدمت الأسرة الغنية مدخراتها في إعادة بناء منزلها في غضون أسبوع واحد. وعوضت حيواناتها ومحراثها، وأعادت زراعة حقولها. ولم يكن لدى الأسرة الفقيرة مدخرات واضطرت إلى الاقتراض من مرابي محلي بمعدل فائدة ضخم. وتمكنت الأسرة من شراء عجل صغير إلا أنها لم تستطع حرث حقلها إلا في وقت لاحق نظرا للمشكلة التي واجهتها في استئجار أحد ثيران الجر بسبب نقصها من السوق. وتعين على الأسرة الفقيرة قضاء فترة من الجوع امتدت إلى ثمانية أشهر بعد الإعصار.

المصدر: الكوارث الطبيعية والعالم الثالث: لجنة التنسيق القطرية للعقد الدولي للحد من الكوارث الطبيعية، في بريطانيا - مركز أكسفورد لدراسات الكوارث صفحة رقم 4.



 

ثالثا - الإنذار المبكر والتنبؤات بالعواصف الاستوائية - الحالة الراهنة

18 - تتراوح التنبؤات بين الإنذار المبكر عن العواصف المتوقع حدوثها في غضون أقل من ساعة إلى الأشهر أو السنوات لدى تقدير احتمال حدوث عدد معين من الأعاصير. ويتعين أن تغطي التنبؤات بمسار الإعصار وحدته ساعات إلى أيام. ويتطلب توقع الأخطار الصغيرة مثل عواصف التورنادو والعواصف الرعدية الشديدة الرصد المبكر للأخطار، والإشارات والتقديرات شبه الآنية لهذه الأخطار، ونشر الإنذارات بسرعة على السكان. وتحتاج التنبؤات بهذه الأخطار معلومات شهودية يجرى تحديثها باستمرار عن حركة العواصف ومدى شدة الأمطار و/ أو مستويات الأنهار من خلال شاشات الرادار في الوقت الحقيقي، وصور الأقمار الصناعية وشبكات قياس الأمطار ومجاري الأنهار.

19 - وخلال العشرين عاما الماضية، أدى وضع النماذج الحاسوبية للأعاصير وأدوات المشاهدة، والنهوض بتدريب خبراء التنبؤ إلى إحداث زيادة كبيرة في دقة التنبؤات. وأدت نظم البيانات الجديدة إلى زيادة فهم خبراء التنبؤ للأعاصير الاستوائية، وتوفير مدخلات أفضل وأكثر دقة في التوقيت للنماذج الحاسوبية المستخدمة في التنبؤ بسلوك الأعاصير. وعلى الرغم من هذا التقدم، لم يتم بعد التوصل إلى فهم كامل للتفاعلات الأكثر تعقيدا التي تحدث في طبقات الجو العليا.

20 - ويشكل قصر الوقت المتاح أشد الصعوبات التي تواجه توفير الإنذارات المبكرة الفعالة عن الأخطار الصغيرة. وتتفاقم المشكلة من جراء أن الكثير من البلدان والأقاليم المعرضة لا تمتلك بعد التكنولوجيا المتقدمة اللازمة.

21 - وعلى المستوى الدولي، فإن التقدم التكنولوجي الذي تحقق في مجال دقة وحسن توقيت الإنذارات المبكرة وعمليات التنبؤ بأخطار العواصف هو تقدم باهر على الرغم من أنه لا يعرف بعد مدى استفادة البلدان النامية المعرضة للعواصف من هذا التقدم. فاستخدام الأقمار الصناعية لتوفير المعلومات المسبقة عن توقيت الأعاصير الاستوائية ومواقعها، مثلا، أدى إلى مضاعفة وقت الإنذار من 24 ساعة قبل الإعصار في 1990 إلى 48 ساعة في 1999 في حين تحسن وقت الإنذار عن عواصف التورنادو من نحو 8 أو 9 دقائق إلى 17 دقيقة. وعلى الرغم من التنبؤ بالتورنادو لا يعطي سوى فترة إنذار قصيرة لاتخاذ إجراءات، فإنه يبدو أن الإنذار المبكر بالأعاصير الاستوائية قد تحسن كثيرا من حيث الوقت المسبق الكافي لنقل السكان والممتلكات من المناطق التي ستتضرر. ولا ينبغي التقليل من شأن قيمة التحسينات التكنولوجية في توفير المعلومات المسبقة لتجنب الكوارث المحتملة أو لتقلل إلى أدنى حد من تأثيراتها. ويعتبر ذلك مهما بصورة خاصة لإنقاذ المزارعين والعمال الذين يعملون في المناطق الساحلية المعرضة والصيادين الذين يتوغلون في المحيطات للصيد. وقد تمكن المهندسون بفضل تحسين المعلومات المتعلقة بالظواهر الطبيعية وفهمها من تحسين معايير ومستويات المباني في كثير من أنحاء العالم

.



 

رابعا - تأثيرات الكوارث ذات الصلة بالعواصف على الزراعة



 

ألف: التأثيرات المباشرة

22 - تصنف الكوارث ذات الصلة بالأعاصير بأنها جامحة ومفاجئة وعنيفة - أي أنها حدث واسع النطاق وسريع يتسبب في أضرار ودمار على نطاق واسع. وقد يعقب هذا الحدث قدر كبير من المعاناة والفوضى، والكوارث الجانبية مثل الانهيارات الأرضية. وللأضرار المفاجئة في مناطق جغرافية محدودة قدر كبير من التأثيرات البصرية والعاطفية.

23 - وأكثر التأثيرات المباشرة والملموسة للعواصف على الزراعة هي الأضرار التي تلحقها بالمحاصيل في الحقول والحيوانات والممتلكات الأسرية وأصول الإنتاج والبنية الأساسية المادية. وقد ينجم عن ذلك نقص في الإمدادات الغذائية على مستوى الأسرة والمجتمع المحلي بل وعلى المستويات القطرية في بعض الأحيان، وتكاد تتسبب دائما في الحد من الأمن المعيشي وما يتصل بذلك من مشكلات تتعلق بحصول الأسر الفقيرة على الأغذية.

24 - ويعتمد حجم الكوارث ذات الصلة بالعواصف وما إذا كان على مستوى محلي أو على مستوى البلد بأسره، على مدى حدة العاصفة والمنطقة المتضررة، والمرحلة التي بلغتها المحاصيل وقت العاصفة ومستوى الاستعداد وحجم البلد.

25 - وتعتبر الدول الجزرية الصغيرة في المحيطين الهادي والهندي والبحر الكاريبي الأكثر عرضة بالنظر إلى صغر حجمها وموقعها في المناطق المعرضة للأعاصير. وعلى الرغم من أن تأثيرات الكوارث ذات الصلة بالعواصف على الزراعة قد تكون محدودة على المستوى القطري، فإن انعكاساتها قد تكون واسعة النطاق بالنسبة لسبل المعيشة في المناطق المتضررة مما يؤثر في الأمن الغذائي في البلاد.

26 - ففي آسيا، تحدث الفيضانات الشديدة في مواسم الأمطار الموسمية مع ما تنطوي عليه من عواقب وخيمة في كثير من الأحيان. فالخسائر المحصولية شديدة عموما في المناطق المتضررة إلا أن التأثيرات الشاملة على المستوى القطري تتباين فيما بين البلدان. والسبب الرئيسي لأكثر الظواهر تدميرا هو هبوب العواصف - أي الارتفاع السريع في مستوى سطح البحر نتيجة للرياح مما يدفع بالمياه إلى الشواطئ والتسبب في حدوث فيضانات في المناطق الساحلية المنخفضة. ففي الهند يتسبب هبوب الرياح في حدوث أكثر من 90 في المائة من الخسائر في الأرواح والممتلكات(9). وقد تعرضت المناطق الساحلية المنخفضة في الأماكن الأخرى مثل في أمريكا الوسطى وفنزويلا وموزامبيق ومدغشقر للتدمير أيضا من جراء الكوارث ذات الصلة بالعواصف والفيضانات في السنوات الأخيرة

.

27 - وعلى العكس من ذلك، كانت الفيضانات ذات الصلة بالعواصف تتسم بالطابع المحلي في غرب أفريقيا، ووقعت أساسا في المناطق المنخفضة على طول نهري النيجر والسنغال. وفي بلدان السهل، ترتبط الفيضانات عموما بالتوقعات المحصولية الجيدة لمحاصيل الحبوب الرئيسية على الرغم مما تحدثه من أضرار بالمناطق المتأثرة بصورة مباشرة. كذلك فإن الفيضانات تكون مفيدة، على طول مجاري الأنهار، لمحاصيل طرح النهر أو الزراعة في غير مواعيدها.



 

باء: التأثيرات على طاقات الإنتاج في الأراضي

28 - علاوة على ما تحدثه العواصف من تدمير للمحاصيل وتأثير في الإمدادات الغذائية، فإنه يمكنها أن تضر أيضا بنوعية الأراضي وإمكانيات الإنتاج. فهبوب الرياح يمكن أن يغرق المناطق الساحلية بالمياه المالحة مما يؤدي إلى إصابة الأراضي الزراعية بالملوحة. فإذا حدث هذا الهبوب بعد موسم الأمطار الرئيسي، فإن التأثيرات على المحاصيل والغلات يكون كبيرا حيث أن الأملاح لا تذوب بسرعة. وتتعرض السهول الساحلية ومصبات الأنهار الواقعة في مسار الأعاصير، عموما، لهذه الظاهرة.

29 - كذلك فإن ترسيب الفيضانات لطبقة من الغرين على الأراضي المزروعة قد يدفن المحاصيل ويغير من نوعية التربة. وقد تحسن هذه العملية من جودة التربة والغلات في السنوات التالية. غير أن إمكانيات إنتاج المحاصيل قد تنخفض إذا كانت الترسيبات غير خصبة، أو من المواد الرملية المعرضة للجفاف أو من الغرين الذي قد يمتص في بداية الأمر ويضر بجذور النبات والكائنات الدقيقة في التربة. وفي بعض المناطق، قد تتعرض التربة السطحية للانجراف مما يؤدي إلى ظهور طبقات التربة الأقل صلاحية للزراعة.

30 - ويعتمد تأثير العاصفة على التربة على الأحوال المناخية السابقة (رطوبة التربة ومستوى المياه). كما يتأثر بعوامل مثل التضاريس ونمط التربة بما في ذلك عمق التربة، تماسك الرطوبة، وطاقة الصرف. ويعتمد هذا التأثير على استخدام الأراضي وأساليب الزراعة التي تؤثر في المحتوى من المادة العضوية ونفاذية التربة. فكلما كانت التربة غنية ونفاذة، قل احتمال انجرافها خلال العاصفة. وتساعد بعض الأساليب مثل التسوية وإقامة المصاطب، والتمليط والصرف والري في إدارة تدفقات المياه وتماسك التربة خلال العواصف والفيضانات. كما يمكن زراعة بعض النباتات عميقة الجذور مثل الأشجار والشجيرات لتوفير مزيد من الاستقرار.



 

جيم: التأثيرات على الغابات

31 - يمكن أن تؤثر العواصف الاستوائية والأعاصير والعواصف الثلجية في الموارد الحرجية سواء بصورة مباشرة من خلال تأثير الرياح العالمية والثلوج التي تدمر الأشجار أو بصورة غير مباشرة أضرار الفيضا�

yomgedid

بوابة "يوم جديد"

  • Currently 318/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
105 تصويتات / 2236 مشاهدة
نشرت فى 4 إبريل 2009 بواسطة yomgedid

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

معبد الأقصر