تزداد أهمية ودور حماية البيئة والمناخ في مجال السياحة، حيث يرىالخبراء أنه يمكن لها أن تلعب دور قيادي في العالم، وذلك من خلال الدور المنوط بها في مسألة تحولات المناخ والسياحة المستدامة .
ويرتبط مفهوم السياحة الخضراء أو السياحة المستدامة، بالبرامج السياحية التي تأخذ في الاعتبار احتياجات البيئة وتراعي الثقافات المحلية بهدف استدامة المشاريع السياحية في الجانب الاقتصادي، والحفاظ على البيئة من التلوث في برامج تتكامل فيها المتعة والحفاظ على البيئة.
ولكن وفي هذا المجال يجب أن نذكر أولاً أن الأنشطة والمنشآت السياحية التي تدعم الممارسات السياحية التقليدية لها أثر بالغ على جودة البيئة ومستوى التنوع البيئي، وهو ما لا يمكن أن نتفاداه ولا بشق الأنفس، وبعضه دائم لا يمكن معالجته أو إصلاحه، لذلك يتم اللجوء إلى التخطيط بعناية ودقة لإحداث أقل الضرر، وفي أحيان كثيرة يتم اللجوء إلى التعويض البيئي في مكان آخر.
حيث من الآثار المباشرة للصناعة السياحية على البيئة:
- زيادة معدل الطلب على مياه الشرب والإسراف في استهلاك المياه نتيجة لتدني الوعي البيئي لدى السائحين.
- ارتفاع في كمية مياه الصرف الصحي والضغط على نظم المعالجة أو تجاوز سعتها الاستيعابية، وخروج مياه شبه معالجة يتم تصريفها على البيئة البحرية أو في بطون الأودية، وقد تصل إلى المياه الجوفية.
- ارتفاع معدلات إنتاج المخلفات البلدية الصلبة (القمامة) نتيجة الزيادة في أعداد السكان وكذلك لطبيعة البرامج السياحية وظروف السائح ووعيه البيئي.
- تجاوز كمية المخلفات المنتجة سعة النظام فتتراكم المخلفات ويتدنى مستوى خدمات النظافة.
- الازدحام هو الأثر الأكثر إزعاجاً، حيث أنه قد يحيل نزهة السائح إلى تجربة قاسية، لا يرغب في تكرارها؛ فزيادة عدد السيارات على الطرقات خاصة في وضع الانتظار، ينتج عنها كميات كبيرة من الغازات الخانقة مثل أكاسيد الكبريت والنيتروجين وأول وثاني أكسيد الكربون وبعض المركبات التي لم تصل إلى نهاية الاحتراق، كل هذه تعمل على ارتفاع مستوى تلوث للهواء، وتتسبب في ارتفاع معدل الضجيج إلى مستويات نعتبرها تلوثا ضوضائيا.
- ازدياد تلوث الشواطئ، حيث هناك المخلفات التي يتركها السائح وراءه، وهناك المنتجعات والفنادق التي تقذف، أو تتسرب منها مخلفاتها السائلة، وأحيانا الصلبة، وما يتسرب من القوارب والمركبات البحرية من وقود وزيوت قد تمنع أو تعيق وصول الأكسجين إلى مياه البحر، وتؤثر سلباً على الكائنات والمجتمعات البحرية، أضف إلى ذلك الضوضاء التي تصدر عن المحركات وما تسببه من إزعاج يدفع ببعض الكائنات الحية إلى الهجرة.
أضف إلى كل ما سبق أن عناصر البيئة الطبيعية ليست فقط المعنية بالتلوث، فللسياحة آثار على ثقافة المجتمعات المحلية وسلوكيات الفرد.
وهنا يجب البحث عن حل لتلك المشكلة، حيث لا يمكن التخلي عن الأنشطة السياحية التي تدر الأموال وتدعم الاقتصاد وتحفز البرامج التنموية الأخرى، ويحتاجها الإنسان أيضاً للترويح؛ فالسياحة صناعة تتكامل مع القطاعات الاقتصادية والتنموية والبرامج الثقافية الأخرى وترتبط بها عضوياً. لذا يجب أن نلجأ إلى مفهوم السياحة الخضراء للتخفيف من حدة تلك الآثار السلبية.
وفي الدليل الإرشادي للسياحة المستدامة في الوطن العربي يُعرف برنامج الأمم المتحدة للبيئة السياحة المستدامة بأنها "الاستغلال الأمثل للمواقع السياحية من حيث دخول السياح بأعداد متوازنة للمواقع السياحية على أن يكونوا على علم مسبق ومعرفة بأهمية المناطق السياحية والتعامل معها بشكل ودي، وذلك للحيلولة دون وقوع الأضرار على الطرفين".
إذن؛ فالسياحة الخضراء تعتمد في المقام الأول على وعي السائح وعلى الإرشادات والبرامج السياحية المعدة بعناية، ولأن الوعي البيئي في مجتمعنا لم يرتق بعد إلى مستوى يمكن الاعتماد عليه في التعامل مع البيئة والحفاظ عليها، فإنه يتوجب علينا، مضاعفة الجهد والتركيز على المقومات الأخرى للسياحة المستدامة. وإعداد خطة مرورية تكفل تدفق السير بيسر وهو أمر ضروري، فيمكن مثلاً منع دخول السيارات التي لا تقل أكثر من راكبين، أو بناء مواقف بعيدة وتسيير حافلات النقل العام التي تتوفر فيها وسائل الراحة. ويمكن تخصيص أماكن للاستمتاع بعناصر الطبيعة، لا تدخلها السيارات ولا يصل إليها الضجيج.
أما أزمة المياه فيمكن حلها عن طريق الترشيد القسري أو الطوعي للمنشآت السياحية، وهي أساليب مجربة يمكن دراستها واختيار المناسب منها. ومن الضروري كذلك تكثيف أعمال النظافة والصيانة للمناطق السياحية، فالمرء يخجل ويتحرج أن يلقي بفضلاته في مكان نظيف، والعكس صحيح، بل أكثر من ذلك، فربما شجعه على فعلته.
ويعبر عدد كبير من الأشخاص الواعين بأهمية السياحة الخضراء، والذين لديهم استعداد للسفر الصديق للبيئة، عن آرائهم الخاصة بكيفية الحفاظ على المناخ والبيئة المحيطة بأن السياحة الخضراء تساهم في ذلك عن طريق:
- المساهمة في تخفيض كمية الغاز العادم المستخدم، وذلك باختيار مناطق قريبة لقضاء الإجازة والسياحة، مما يساعد على عدم استخدام السيارات بشكل كثيف.
- بدأت بعض الشركات والفنادق العاملة في المجال السياحي ببناء فنادق ومنتجعات حيادية نحو المناخ في أماكن مختلفة من العالم، تهتم الإدارة فيها بالاستخدام الرشيد للطاقة والماء، حيث يتم تجهيز كامل البناء بأجهزة منخفضة الاستهلاك للطاقة، مع استبدال أجهزة التدفئة القديمة بمحطات التدفئة الحديثة.
- التركيز على استخدام بعض وسائل الانتقال الصديقة للبيئة إلى الأماكن السياحية المقصودة، حيث يمكن استخدام القطارات والدراجات وغيرها من الوسائل غير المضرة بالبيئة.
- إعطاء صورة طبيعية جديدة للمكان الذي يعتبر قطباً سياحياً يساهم في ترقية السياحة البيئية وإنعاشها.
وأخيراً؛ فإن تطبيق مفهوم السياحة المستدامة وإدراج البعد البيئي في العمل السياحي يعني وجود سياحة نظيفة رفيقة بالبيئة وصديقة للمجتمع وذات جدوى اقتصادية عالية.
ساحة النقاش